تحولات السلطة في الحقبة العباسية

استكشاف تحولات السلطة في الحقبة العباسية والأحداث الرئيسية التي شكلت الدولة العباسية. نظرة على العصر العباسي الأول (132-232هـ) والعصر العباسي الثاني (232-656هـ).

مقدمة

تعتبر الدولة العباسية من أطول الدول الإسلامية عمراً، حيث امتدت لأكثر من خمسة قرون. قامت هذه الدولة على أنقاض الدولة الأموية، وذلك نتيجة لدعوة سرية عُرفت بالدعوة العباسية، والتي انطلقت من منطقة الحميمة في جنوب الأردن. في البداية، لم يكن العباسيون يظهرون رغبة واضحة في الحكم، وذلك بسبب وقوفهم إلى جانب الإمام علي بن أبي طالب في صراعه مع الأمويين. ومع ذلك، لم يثق الأمويون بهم خشية من نفوذ أبناء العباس.

بعد ذلك، قرر الأمويون إبعادهم عن الحجاز ووضعهم تحت رقابتهم في دمشق، ولكن الدعوة العباسية استمرت في نشاطها. اتحد أبناء العمومة من آل العباس وآل علي للإطاحة بالدولة الأموية، ورفعوا شعار الدعوة باسم آل البيت النبوي. حدث هذا التغيير بعد زيارة الإمام أبي هاشم عبد الله بن محمد إلى الحميمة.

أوصى الإمام أبو هاشم عبد الله بن محمد، قبل وفاته متأثراً بسم دُس له من قبل الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك، بابن عمه علي بن عبد الله بالإمامة من بعده، وأعطاه كتابًا يحوي أسرار الدعوة. فرح العباسيون بذلك، ولكنهم أخفوا طموحهم في الخلافة، واستمروا في أخذ البيعة باسم (آل محمد) بوصفهم الأحق بالحكم، مما أكسبهم تأييد العلويين والعنصر الفارسي.

بعد وفاة علي بن عبد الله، انتقلت الإمامة إلى ابنه محمد، ثم إلى ابنه إبراهيم، الذي أطلق الدعوة العباسية بشكل علني وواضح. ولكن مروان بن محمد، آخر خلفاء بني أمية، قبض عليه وسجنه حتى مات. بعد ذلك، تولى أخوه أبو العباس قيادة الدعوة وانتقل إلى الكوفة، مما أدى إلى سقوطها ومبايعة أبي العباس بالخلافة.

أبرز المحطات التاريخية للدولة العباسية

يقسم المؤرخون العصر العباسي إلى فترتين رئيسيتين:

العصر العباسي الأول (132-232هـ)

يُعرف هذا العصر بالعصر الذهبي للدولة العباسية، وذلك بسبب التطورات الإيجابية والجذرية التي شهدتها الدولة. ومن أهم الأحداث التي ميزت هذا العصر:

  • تثبيت أركان الدولة: تعاقب على الحكم تسعة خلفاء هم (السفاح، المنصور، المهدي، الهادي، الرشيد، الأمين، المأمون، المعتصم، الواثق)، وشهدت هذه الفترة العديد من الإنجازات في الإصلاحات الداخلية، بناء المساجد والقصور، الاهتمام بالزراعة، تشجيع التبادل التجاري، وتطور العلوم المختلفة، وخاصة الفيزياء، بالإضافة إلى ابتكار عدد من الاختراعات مثل الساعة المائية.
  • بناء مدينة بغداد: قرر الخليفة المنصور الابتعاد عن الكوفة لحماية نفسه من الفتن والابتعاد عن العلويين، فقام ببناء مدينة بغداد، التي سرعان ما أصبحت أهم مدينة في العالم بفضل ثقافتها وفنونها وتجارتها. ازدهرت بغداد بشكل كبير، وتجمع فيها التجار والصناع، وتم بناء المئات من المساجد وعشرات القصور الفخمة.

العصر العباسي الثاني (232-656هـ)

مر العصر العباسي الثاني بثلاث مراحل رئيسية:

  1. مرحلة نفوذ الأتراك على الخلافة العباسية (232-334هـ): في هذه المرحلة، سيطر الأتراك على مقاليد الأمور، مما أدى إلى تغييرات كبيرة في نظام الدولة. من أبرز هذه التغييرات:

    • سيطرة العنصر التركي على زمام الدولة: تميزت هذه الفترة بعدم استقرار الخلفاء في الحكم، وأصبحت سلطة الخلفاء اسمية بسبب سيطرة القيادات التركية على الجيش والوزارة. لم يكن يُوَلّى الخلافة إلا من يوافق هوى الأتراك، كما تدخلت النساء في شؤون الحكم مثل أم المستعين.
    • ظهور الفتن مثل فتنة الزنج: الزنج هم مجموعة من العبيد السود الذين يعود أصلهم إلى إفريقيا الشرقية. استغل علي بن محمد أوضاعهم ومنحهم أملاً في التحرر من العبودية والوصول إلى السلطة. نجح محمد بن علي في السيطرة على البصرة والمناطق المحيطة بها، ودمر المدن التي احتلها وأباد أهلها، مما أدى إلى انتشار الفساد. يُقال إن الزنج قتلوا أكثر من 300 ألف شخص في البصرة.
  2. مرحلة النفوذ البويهي الفارسي (334-447هـ): ظهرت في هذه المرحلة عدة دويلات استقلت عن الخلافة العباسية، مثل الدولة الغزنوية في الهند، والدولة الحمدانية في حلب والموصل، والدولة الإخشيدية في مصر والشام. تولى الخلافة في هذه المرحلة أربعة خلفاء هم: (المستكفي، المطيع، الطائع، القادر)، الذي انتهت دولة البويهيين في عهده.
  3. مرحلة نفوذ الأتراك السلاجقة (447- 656هـ): سيطر السلاجقة على الخلافة بعد استنجاد الخليفة القائم بزعيم السلاجقة للقضاء على البويهيين. تعاقب على هذه الفترة اثنا عشر خليفة، أولهم (القائم) وآخرهم (المستعصم)، الذي سقطت في عهده الدولة العباسية واستولى المغول على بغداد، مما أدى إلى نهاية خلافة بني العباس وبداية عهد المماليك.

الأجهزة الإدارية والسياسات في العصر العباسي

اعتمد العباسيون على الفرس في تأسيس دولتهم، واقتبسوا منهم العديد من الجوانب الإدارية والسياسية. قام العباسيون بتوسيع نطاق الدواوين، مثل ديوان الرسائل، ديوان الخاتم، وديوان الترقيع. كما أخذوا عنهم نظام الوزارة وقلدوهم في أزياء رجال الحاشية والموظفين والقضاة، وأسندوا مناصب الوزارة وقيادة الجيش إلى الفرس. من هذا المنطلق، سعى الفرس إلى إحياء الأمجاد الفارسية القديمة، وكانوا يميلون إلى الشيعة. سعى الفرس لترجمة الكتب التي تتصل بالحكم الفارسي من الفارسية إلى العربية، مثلما فعل ابن المقفع عندما نقل مجموعة من الكتب والرسائل إلى العربية، بالإضافة إلى حكايات كليلة ودمنة ومنطق أرسطو.

Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

تحولات الأرض في الحقبة الكريتاسية: استكشاف التغيرات الجيولوجية

المقال التالي

التحولات الخلوية في داء الزهري

مقالات مشابهة