رؤية ابن كثير في الآية الكريمة
يوضح ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره للآية الكريمة: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ)،[الحاقة: 19] حالة السعادة الغامرة التي تغمر من ينال كتابه بيمينه في يوم القيامة. يعبر هذا الشخص عن فرحه وسروره العميقين بهذه النعمة، وبدافع من شدة ابتهاجه، يتوجه إلى الحاضرين قائلاً: (هَاؤُمُ اقرؤوا كِتَابِيَهْ)،[الحاقة: 19] أي تفضلوا واقرؤوا ما منحني الله من كتاب. فالمؤمن يمتلك ثقة كاملة بمحتوى كتابه وما يحتويه من خير.
إنه على يقين بأن كتابه مليء بالخير والحسنات الخالصة، وذلك لأنه من بين الذين استبدل الله سيئاتهم وذنوبهم بثواب وحسنات. يُعطى المؤمن كتابه بيمينه في ستر من الله، ويقرأ سيئاته وأفعاله التي لم تكن محمودة في الحياة الدنيا، فيسأله الله -عز وجل-: هل فعلت هذا؟ فيعترف العبد بذنبه.
وكلما قرأ العبد سيئة أو ذنبًا، يتغير لونه خجلًا. فيطمئنه الله -تعالى- قائلاً: لم أفضحك بذنبك، وقد غفرت لك. ثم ينظر المؤمن فإذا بسيئاته قد تحولت إلى حسنات بفضل الله ورحمته، وينجو من الفضيحة في يوم القيامة. ثم يمر بحسناته ويقرأها، فيعود لونه إلى طبيعته.
وهذا ما يشير إليه حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- حين سئل عن النجوى، فقال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إنَّ اللهَ يُدني العبدَ منه يومَ القيامةِ فيضَعُ عليه كنَفَه وسِتْرَه مِن النَّاسِ ويُقرِّرُه بذُنوبِه فيقولُ أتعرِفُ ذَنْبَ كذا وكذا فيقولُ نَعَمْ أيْ ربِّ ويقولُ أتعرِفُ ذَنْبَ كذا وكذا فيقولُ نَعَمْ أيْ ربِّ فإذا قرَّره بذُنوبِه ورأى أنَّه قد هلَك قال إنِّي قد ستَرْتُها عليكَ اليومَ قال ثمَّ يُعطَى كتابَ حَسناتِه).[رواه الطبراني في المعجم الأوسط].
تأملات القرطبي في معنى الآية
يرى القرطبي -رحمه الله- أن إعطاء الكتاب باليمين، كما ورد في قوله -تعالى-: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ)،[الحاقة: 19] هو علامة أكيدة على النجاة والفوز بالنعيم. يعبر المؤمن عن ثقته بالإسلام ونجاته بقوله: (هَاؤُمُ اقرؤوا كِتَابِيَهْ)،[الحاقة: 19] فاليد اليمنى، كما هو معروف عند العرب، تدل على الفرح والبهجة، بينما اليسرى تعبر عن الحزن والغم.
أما فيما يتعلق بمن يكون أول من يأخذ كتابه بيمينه يوم القيامة، فهذا من الأمور الغيبية التي اختص الله بعلمها. لا يمكن للإنسان أن يعرف ذلك إلا عن طريق خبر أو وحي من الله -سبحانه وتعالى-. وقد ذكر القرطبي في تفسيره، نقلاً عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، أن أول من يعطى كتابه بيمينه هو عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-.
وقد ذكر القرطبي أن الملائكة زفت أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- إلى الجنة، وعلق قائلاً: ذكره الثعلبي، وقد ذكرناه مرفوعاً من حديث زيد بن ثابت بلفظه ومعناه في كتاب التذكرة، ومما يجدر الإشارة إليه أن ما نقل في هذا الصدد أثر ضعيف لا يمكن الاستناد عليه.
إضاءات السعدي حول الآية الكريمة
يوضح السعدي -رحمه الله- في تفسيره للآية الكريمة: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ)،[الحاقة: 19] أن المؤمنين هم أهل السعادة والراحة والاطمئنان. يُعطون كتبهم التي تحتوي على حسناتهم وأعمالهم الصالحة بأيمانهم، وذلك تمييزاً لهم وإشادة بمكانتهم ومنزلتهم الرفيعة بين العباد.
ويصف المؤمن فرحته وسروره وبهجته في ذلك الموقف، معبراً عن رغبته في أن يطلع جميع الخلق على ما أنعم الله عليه من كرامة، قائلاً: (هَاؤُمُ اقرؤوا كِتَابِيَهْ)،[الحاقة: 19] أي: هذا كتابي فاقرأُوه، فإنه يبشر بجنات الخلود، ويبشر بأنواع الكرامات، وبمغفرة الذنوب، وستر العيوب.
المصادر والمراجع
- سورة الحاقة، آية: 19
- تفسير القرآن العظيم لابن كثير
- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي
- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للسعدي