تحليل وتفسير الآية الكريمة: (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ)

مقدمة

تعتبر الآيات القرآنية الكريمة مصدراً أساسياً للأحكام الشرعية والتوجيهات الربانية التي تنظم حياة المسلمين. ومن بين هذه الآيات، تبرز الآية رقم 59 من سورة الأحزاب، والتي تتناول موضوع لباس المرأة المسلمة وأهميته في الحفاظ على كرامتها وعفتها. سنتناول في هذا المقال تحليلًا لتفسير هذه الآية الكريمة وفقًا لآراء عدد من أبرز علماء التفسير.

السياق العام للآية القرآنية

قال الله تعالى في كتابه الكريم:

“يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا” (الأحزاب: 59).

تهدف هذه الآية الكريمة إلى تنظيم لباس المرأة المسلمة بشكل يحفظ لها كرامتها ويحميها من الأذى. وتأمر الآية النبي صلى الله عليه وسلم بأن يبلغ هذا الأمر إلى زوجاته وبناته وجميع نساء المؤمنين.

رؤية البيضاوي في تفسير الآية

يرى الإمام البيضاوي أن الآية الكريمة تتضمن توجيهًا للمرأة المسلمة بستر وجهها وبدنها بالكامل عند الخروج من المنزل. ويشير إلى أن المقصود بـ “يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ” هو أن يغطين وجوههن وأجسادهن بملاحفهن. ويوضح أن هذا الستر يهدف إلى تمييز المرأة المسلمة عن غيرها من النساء، وبالتالي حمايتها من التعرض للأذى والمضايقات.

ويؤكد البيضاوي على أن هذا التشريع يعكس حكمة الله ورحمته بعباده، حيث يهدف إلى حفظ المجتمع من الفتن والمفاسد.

شرح القرطبي لمعاني الآية

يذكر الإمام القرطبي أن سبب نزول هذه الآية هو ما كان يحدث في السابق من تعرض بعض الرجال لنساء المؤمنين، فأنزل الله هذه الآية لحماية النساء من الأذى. ويوضح أن الجلباب هو الثوب الذي يستر جميع البدن، وأن هناك أقوالًا متعددة في كيفية ارتدائه، فمنهم من قال إنه يغطي الوجه والجسم بالكامل، ومنهم من قال إنه يغطي نصف الوجه، ومنهم من قال إنه يستر الصدر ومعظم الوجه. ويؤكد القرطبي على أن الستر المراد هو الستر الذي لا يصف الجسد.

ويضيف القرطبي أن الأمر بارتداء الجلباب يهدف إلى تمييز المرأة المسلمة الحرة عن غيرها، وبالتالي منع تعرضها للأذى.

منظور السعدي حول الآية

يفسر الشيخ السعدي الآية بأنها تشرع الجلباب للمرأة المسلمة، وهو ما يغطي الوجه والبدن. ويوضح أن الأمر جاء لنساء النبي صلى الله عليه وسلم في البداية لأنهن قدوة لنساء المؤمنين جميعاً. ويرى أن هذا التشريع يهدف إلى وقاية النساء من النفوس الطامعة والضعيفة.

ويشير السعدي إلى أن الله كان غفوراً عما مضى من التفريط في الستر قبل نزول هذه الآية، ورحيماً بالمؤمنات بأن بين لهن الحلال من الحرام من الأحكام.

استنتاجات أساسية من أقوال المفسرين

بعد استعراض أقوال المفسرين، يمكن استخلاص الآتي:

• تعتبر الآية من آيات الأحكام التي تحدد اللباس الشرعي للمرأة المسلمة.
• المقصود بالجلباب هو الثوب الذي يستر البدن، وقد يشمل الوجه أيضاً.
• يمثل الجلباب هوية حضارية للمرأة المسلمة.
• يهدف اللباس الشرعي إلى الحفاظ على كرامة المرأة وحمايتها من الأذى.