مقدمة
تعتبر آيات القرآن الكريم نورًا وهداية للمسلمين، تحمل في طياتها الكثير من المعاني والدلالات. من بين هذه الآيات، تبرز الآية الكريمة من سورة يونس: (فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ ۖ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ). هذه الآية تجسد جزءًا من قصة سيدنا موسى عليه السلام مع فرعون وسحرته، وتحمل في طياتها الكثير من العبر والدروس التي يمكن للمسلمين الاستفادة منها في حياتهم اليومية.
الفهم الإجمالي للآية
الآية الكريمة تتحدث عن لحظة حاسمة في المواجهة بين سيدنا موسى عليه السلام وسحرة فرعون. بعد أن ألقى السحرة حبالهم وعصيهم، والتي بدت للناس كأنها تتحرك وتسعى، رد عليهم سيدنا موسى بكل ثقة ويقين بأن ما أتوا به ليس إلا سحرًا زائفًا، وأن الله سبحانه وتعالى سيبطله ويكشف زيفه. وأكد أن الله لا يصلح عمل المفسدين، وأن السحر من الإفساد في الأرض.
في هذه الآية، يظهر لنا الفرق الواضح بين المعجزة التي يؤيد الله بها أنبياءه وبين السحر الذي هو مجرد خداع وتضليل. فالمعجزة هي أمر خارق للعادة يجريه الله على يد النبي تصديقًا له، بينما السحر هو مجرد حيل وألاعيب ظاهرها خداع وباطنها باطل.
السياق الذي نزلت فيه الآية
تأتي هذه الآية في سياق قصة المواجهة بين سيدنا موسى عليه السلام وفرعون. بعد أن أظهر سيدنا موسى معجزاته لفرعون وقومه، اتهمه فرعون بالسحر وأراد أن يثبت للناس أنه على حق وأن موسى كاذب. فجمع فرعون سحرته من كل مكان لكي يتحدوا موسى عليه السلام أمام الناس. وعندما ألقى السحرة حبالهم وعصيهم، وظنوا أنهم سيغلبون موسى، جاء رد موسى عليه السلام بالآية الكريمة ليبين لهم وللناس حقيقة ما يفعلون.
فرعون أراد من خلال هذه المواجهة أن يضلل الناس ويبعدهم عن الإيمان بالله وحده والتصديق برسالة موسى عليه السلام. ولكن الله تعالى خيب سعيه وأظهر الحق وأبطل الباطل.
قراءات مختلفة للآية
وردت قراءتان لكلمة “السحر” في الآية الكريمة. القراءة الأولى، وهي الأشهر والأعم، هي قراءة إثبات لام التعريف “السحر” على وجه الإخبار، أي أن موسى عليه السلام أخبرهم بأن ما فعلوه هو السحر. أما القراءة الثانية فهي بمد اللام لتصبح “آلسحر”، بمعنى الاستفهام، أي أن موسى عليه السلام يسألهم: أهذا سحر؟
الإمام الطبري رجح القراءة الأولى، وهي قراءة الإخبار، لأن سيدنا موسى عليه السلام كان على يقين بأن ما فعله السحرة هو سحر، ولم يكن بحاجة إلى أن يسألهم أو يستفسر منهم عن ذلك.
العبر المستخلصة من الآية
تحمل الآية الكريمة العديد من العبر والدروس المستفادة، منها:
- إن الصراع بين الحق والباطل مستمر إلى يوم القيامة، ولا يمكن أن يتوقف.
- أن الله تعالى ينصر الحق ويثبته، ويزهق الباطل ويهزمه.
- أن السحر هو عمل باطل ومضلل، ولا يمكن أن يرقى إلى مستوى المعجزة الإلهية.
- السحر إفساد في الأرض، وهو من كبائر الذنوب التي تستوجب العقاب الشديد.
- الثقة بالله واليقين بنصره هما سلاح المؤمن في مواجهة الباطل.
قوله تعالى: (فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ ۖ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ).
هذه الآية تذكرنا بأن عاقبة المفسدين وخيمة، وأن الله لا يوفقهم ولا يصلح عملهم.
المصادر والمراجع
- سورة يونس، الآية 81.
- محمد رشيد رضا، تفسير المنار، صفحة 382. بتصرف.
- الزحيلي، التفسير المنير، صفحة 240. بتصرف.
- الطبري، جامع البيان، صفحة 242. بتصرف.
- الزحيلي، التفسير المنير، صفحة 241-242. بتصرف.