مقدمة
تعتبر سورة الفيل من السور القرآنية التي تحمل في طياتها عبرة وعظة للمعتبرين، فهي تذكرنا بقدرة الله وعظمته في نصرة دينه وحماية بيته الحرام. تتناول السورة قصة تاريخية معروفة في الجزيرة العربية، وهي قصة أصحاب الفيل الذين قصدوا هدم الكعبة المشرفة، فكانت عاقبتهم وخيمة.
تفاصيل قصة أصحاب الفيل
كانت حادثة الفيل حدثًا بارزًا ومشهورًا في تاريخ العرب، لدرجة أنهم اتخذوها مرجعًا زمنيًا يؤرخون به الأحداث التي وقعت في تلك الفترة. وتتلخص الروايات المتواترة حول هذه الحادثة فيما يلي:
أبرهة الأشرم، وهو حاكم حبشي لليمن، قام ببناء كنيسة عظيمة في اليمن، وزينها بكل ما يثير الإعجاب والدهشة، وذلك بهدف صرف أنظار الناس عن الكعبة المشرفة وتوجيههم نحو اليمن. لكن يقال إن بعض العرب قاموا بإضرام النار فيها، مما أدى إلى احتراقها. فغضب أبرهة وقرر الانتقام بهدم الكعبة.
تحرك أبرهة بجيش ضخم مصطحبًا معه فيلة، قاصدًا مكة المكرمة. وفي طريقه، واجه بعض المقاومة من القبائل العربية التي حاولت منعه، لكنه تمكن من الانتصار عليهم. ثم أرسل رسالة إلى أهل مكة يخبرهم بأنه لم يأتِ لقتالهم، وإنما جاء فقط لهدم الكعبة. فانسحب أهل مكة إلى الجبال لمراقبة ما سيحدث.
أرسل أبرهة رسالة إلى عبد المطلب، سيد مكة، وطلب مقابلته. وعندما سأله أبرهة عن مطلبه، طلب عبد المطلب منه أن يعيد إليه مئتي بعير كان أبرهة قد استولى عليها في طريقه إلى مكة. استغرب أبرهة من هذا الطلب، وتساءل كيف يطلب عبد المطلب بعيره ويترك الحديث عن الكعبة التي جاء أبرهة لهدمها. فأجابه عبد المطلب بكل ثقة وإيمان بأن للبيت ربًا يحميه. ثم توجه عبد المطلب مع بعض أهل مكة إلى الكعبة، وابتهلوا إلى الله تعالى بالدعاء. بينما استعد أبرهة لغزو مكة وهدم الكعبة.
العاقبة التي حلت بأصحاب الفيل
تستهل سورة الفيل ببيان عظيم قدرة الله تعالى، معبرة عن الاستنكار والتعجب مما فعله الله بأصحاب الفيل. فقد كانت نيتهم خبيثة، حيث سعوا لإلحاق الأذى بالكعبة المشرفة، لكن الله تعالى أبطل كيدهم في المرة الأولى بإحراق كنيستهم. وعندما أصروا على المضي في طريقهم الشيطاني، وأقدموا على التوجه إلى مكة لهدم الكعبة، أرسل الله عليهم طيرًا أبابيل، تحمل حجارة من سجيل، فدمرتهم وجعلتهم كعصف مأكول.
إن هذه القصة تذكرنا بأن الله تعالى لا يرضى بالظلم والعدوان، وأنه سينصر دينه وعباده المؤمنين ولو بعد حين. وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم:
{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ}
لمحة عن سورة الفيل
سورة الفيل هي سورة مكية، تتكون من خمس آيات، وقد نزلت بعد سورة الكافرون. تتناول السورة قصة أصحاب الفيل، وتبرز قدرة الله في حماية بيته الحرام. وتعتبر السورة تذكيرًا للمشركين بأن الله قادر على تدميرهم كما دمر أصحاب الفيل، إذا استمروا في عدائهم للإسلام والمسلمين.
تأتي سورة الفيل بعد سورة الهمزة في ترتيب المصحف الشريف. سورة الهمزة تتحدث عن كيد المشركين واستهزائهم بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، وسورة الفيل تبين أن عاقبة هذا الكيد ستكون وخيمة، كما كانت عاقبة أصحاب الفيل. فالله تعالى يمهل ولا يهمل.
إن في قصة أصحاب الفيل عبرة عظيمة، وهي أن الله تعالى سيحمي دينه وعباده، وسيدمر أعداءه. فعلى المسلمين أن يثقوا بنصر الله، وأن يسعوا جاهدين لنشر دينه والعمل به.
المراجع
- جعفر شرف الدين (1420)،كتاب الموسوعة القرآنية خصائص السور(الطبعة 1)، بيروت: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية، صفحة 185-186، جزء 12. بتصرّف.
- جعفر شرف الدين،كتاب الموسوعة القرآنية خصائص السور، (الطبعة 1)، بيروت: دار التقريب بين المذاهب الإسلامية، صفحة 186. بتصرّف.
- السمعاني، أبو المظفر (1418)،تفسير السمعاني(الطبعة 1)، الرياض: دار الوطن، صفحة 183-184، جزء 6. بتصرّف.
- سعيد حوى،الاساس في التفسير، صفحة 6657. بتصرّف.
- سورة الفيل، آية:1-5
- سعيد حوى،الأساس في التفسير، صفحة 6687. بتصرّف.
- سعيد حوى،الاساس في التفسير، صفحة 6681. بتصرّف.