جدول المحتويات
مقدمة عن غزوة الخندق
تُعرف غزوة الخندق أيضاً باسم غزوة الأحزاب، وهي معركة فاصلة وقعت في شهر شوال من السنة الخامسة للهجرة. جمعت هذه الغزوة جيش المسلمين بقيادة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والذي بلغ تعداده حوالي ثلاثة آلاف مقاتل من المهاجرين والأنصار، ضد تحالف قبائلي كبير من أعداء المسلمين، بالإضافة إلى بعض حلفائهم، تحت قيادة أبي سفيان بن حرب وعدد من القادة الآخرين.
انتهت المعركة بانسحاب جيش الأحزاب وإعلان النصر للمسلمين، مع خسائر محدودة بلغت أربعة قتلى من الأحزاب وتسعة شهداء من المسلمين.
الدوافع والأسباب وراء الغزوة
تعود جذور غزوة الخندق إلى نقض يهود بني النضير للعهد الذي أبرموه مع المسلمين. قام بنو النضير بمهاجمة المسلمين ومحاولة اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم، مما استدعى رداً حاسماً من المسلمين.
جهز المسلمون جيشاً كبيراً وتوجهوا إلى بني النضير، وحاصروهم حتى استسلموا. تم طرد بني النضير من أراضيهم ونفيهم كعقاب على خيانتهم ونقضهم للعهد.
لم يكتف بنو النضير بذلك، بل سعوا للانتقام من المسلمين. بدأوا في التخطيط لمهاجمة المدينة المنورة، وعقدوا تحالفات مع قبائل عربية معادية للإسلام، مثل قريش وكنانة وغطفان، بالإضافة إلى يهود بني قريظة الذين كانوا متحالفين مع المسلمين. هذا التحالف الضخم عرف باسم الأحزاب.
كيف ظهرت فكرة الخندق؟
علم المسلمون بتحركات جيش الأحزاب ونواياهم لغزو المدينة المنورة والقضاء على المسلمين. استدعى هذا الوضع اتخاذ إجراءات دفاعية لحماية المدينة وسكانها. جمع النبي صلى الله عليه وسلم قادة المسلمين للتشاور معهم في الأمر.
أشار الصحابي الجليل سلمان الفارسي رضي الله عنه بفكرة حفر خندق حول المدينة. تهدف هذه الفكرة إلى منع جيش الأحزاب من دخول المدينة بسهولة. وافق قادة المسلمين والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم على هذه الفكرة وبدأوا في تنفيذها بتعاون وتكاتف.
أين تم حفر الخندق؟
بعد التشاور بين قادة المسلمين والنبي محمد صلى الله عليه وسلم، تم تحديد موقع حفر الخندق على الحدود الشمالية للمدينة المنورة. كانت هذه المنطقة هي الأقل تحصيناً والأكثر عرضة لاقتحام المدينة من قبل جيش الأحزاب. أما الحدود الشرقية والغربية، فكانت محمية بالجبال المحيطة بالمدينة.
الجهة الجنوبية للمدينة كانت تضم يهود بني قريظة، الذين كانوا في حلف مع المسلمين ويتعهدون بحمايتهم من أي هجوم من تلك الجهة. ولكن، هذا الحلف لم يستمر.
سير المعركة والنتائج النهائية
يمكن تلخيص مجريات غزوة الخندق في النقاط التالية:
نقض بني قريظة للعهد
قام يهود بني قريظة بنقض عهدهم مع المسلمين، مما كشف ظهر جيش المسلمين وجعله عرضة للهجوم. أرسل النبي صلى الله عليه وسلم قوة مكونة من مئتي فارس إلى منطقة بني قريظة لترهيبهم وتخويفهم.
الحصار
تسبب نقض بني قريظة للعهد في حصار المسلمين من جميع الجهات، مما أدى إلى نقص الموارد الغذائية وانتشار الجوع بين صفوفهم. اشتد الكرب على المسلمين.
تشتت الأحزاب
ساهمت محاولات الصلح بين المسلمين وقبيلة غطفان، إحدى القبائل المشاركة في جيش الأحزاب، في تفكك التحالف. كما أن إعلان نعيم بن مسعود، المنتمي لقبيلة غطفان، إسلامه سراً، ومساعدته للرسول صلى الله عليه وسلم في إثارة الفتنة والخلاف بين الأحزاب وبني قريظة، أدت إلى زرع الشك وعدم الثقة بين الأطراف المتحالفة. لقد نجح نعيم بن مسعود في مهمته بفضل ذكائه وحسن تدبيره.
الدعاء بالنصر
في ظل هذه الظروف الصعبة، لجأ المسلمون والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى الله بالدعاء والتضرع، طلباً للنصر على الأحزاب. استجاب الله لدعائهم، فأرسل عليهم ريحاً شديدة عاتية زلزلتهم وأفزعتهم، وأرسل جنوداً من عنده لم يروها المسلمون، ولكن أثرها كان واضحاً على جيش الأحزاب. قال تعالى في سورة الأحزاب:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا
(الأحزاب: 9).
وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ أَعَزَّ جُنْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَغَلَبَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ فَلاَ شَىْءَ بَعْدَهُ
.
انتصار المسلمين
أدى انتصار المسلمين في غزوة الخندق إلى زيادة قوتهم وهيبتهم في المنطقة، وإرهاب أعدائهم. كما كشفت الغزوة عن خيانة بني قريظة وعدم وفائهم بعهودهم، مما أدى إلى غزوة بني قريظة فيما بعد.
المراجع
- [أبو مدين الفاسى]،مستعذب الإخبار بأطيب الأخبار، صفحة 268-269.
- [موسى بن راشد العازمي]،اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون، صفحة 139-141.
- [محمد الطيب النجار]،القول المبين في سيرة سيد المرسلين، صفحة 265-266.
- [وهبة الزحيلي]،التفسير الوسيط، صفحة 2057-2064.