معضلة الإنسان والزمن
يقدم الحكيم رؤيته الفلسفية لمعضلة الإنسان والزمن من خلال استشراف المستقبل، وذلك بعد أن تناولها من منظور تاريخي في مسرحية “أهل الكهف”، ومن زاوية معاصرة في مسرحية “لو عرف الشباب”. وقد اعتبر الحكيم مسرحية “رحلة إلى الغد” امتدادًا لمسرحية “أهل الكهف”، حيث جعل السجينين اللذين انطلقا في رحلة فضائية يمضيان في الفضاء مدة (309) سنوات، وهي نفس المدة التي قضاها أهل الكهف في سباتهم.
في هذه المسرحية، يتناول الحكيم هذا الصراع بطريقة مختلفة، حيث يظهر تشاؤمه تجاه المستقبل وخوفه منه، مستقبل تهيمن عليه الآلة ويفقد فيه الإنسان قيمته ويصبح عاطلاً عن العمل. يصبح الزمن عبئًا ثقيلاً على الإنسان، وتنتشر حالات الانتحار في هذا المستقبل الذي يوفر للإنسان الطعام والراحة ولكنه يسلبه الرغبة في العمل والطموح.
التقدم العلمي وتجلياته
تعد مسرحية “رحلة إلى الغد” نموذجًا لأعمال الخيال العلمي المسرحية. يتخيل الحكيم كيف يمكن أن تتطور المعارف العلمية إلى اختراعات مستقبلية. طوال المسرحية، نرى حديثًا عن إنجازات علمية مستقبلية كان لها تأثير إيجابي وسلبي على حياة الإنسان. تمتزج صور الخيال العلمي بالنقاش الفكري في العديد من المواقف في المسرحية.
التضارب بين المشاعر والعقل
يبرز توفيق الحكيم في هذه المسرحية التضاد بين حياة العقل الخالص، التي يعتبرها سمة المستقبل، وحياة القلب، التي يراها جوهر الحاضر. يعرض هذا الصراع من خلال شخصيتي الطبيب العاطفي الذي يرتكب جريمة قتل دفاعًا عن المرأة التي يحبها ضد ظلم زوجها، والمهندس المنهمك في أبحاثه والذي لا يتورع عن استخدام أي وسيلة لتحقيق أهدافه.
يمثل المهندس العقلانية المطلقة، فهو الذي يتولى إصلاح الصاروخ وصيانته في الفضاء ويقوده خلال الرحلة. بينما الطبيب مستغرق في تأملاته الفلسفية والأخلاقية، وانفعالاته العاطفية، ومحاسبة ضميره. لذلك، من الطبيعي أن ينضم المهندس إلى حزب التقدم، بينما ينضم الطبيب إلى حزب المعارضة مهمومًا وحزينًا.
يرى الطبيب أن الآلية في الحياة الجديدة قد قضت على كل عاطفة، وكل إحساس شعري، وكل انفعالات الأمل واليأس، والفوز والخسارة، والحب والكراهية. وهكذا، تصبح الحياة راكدة ومملة.
من خلال سياق المسرحية، نشعر بأن الطبيب يمثل المؤلف ويعبر عن آرائه الرومانسية العاطفية. هذه الروح الرومانسية تفسر وجهة النظر التي يتبناها دائمًا في القضايا الفكرية التي يعرضها.
الركائز الأخلاقية
يطرح الحكيم في مسرحيته مجموعة من الأسئلة الفلسفية حول الأخلاق والقيم والخير والشر. خلال الرحلة الفضائية التي يفقد فيها السجينان الاتصال بالأرض وكل ما هو إنساني، يتساءلان: هل ما زالا مجرمين؟ هل ما زال للجريمة نفس المفهوم في هذا الفراغ المجهول؟ يحاول الحكيم من خلال الحوار بينهما الوصول إلى عمق الكيان العقلي والروحي للقارئ.
في هذا السياق، ينكر المهندس ذلك، معتبرًا أن الحكم الأخلاقي حكم خارجي يطلقه الأشخاص على بعضهم البعض بناءً على وجهات نظرهم الخاصة. بينما يرى الطبيب أن الشعور الأخلاقي شعور داخلي لا يرتبط بمكان أو زمان، بل بإنسانية الإنسان نفسه، ولا يمكن أن نفقده مهما كان الإطار الزماني أو المكاني الذي يحيط بنا. إن مشكلة الانتقال في الزمان والمكان تؤدي إلى تصورات غريبة وساذجة.
هنا يطرح الحكيم فكرة أخرى، وهي فكرة التعايش بين البشر على اختلاف خلفياتهم وأفكارهم ومبادئهم. هذه الفكرة تبدو ممكنة في الفضاء، حيث يتحلل الإنسان من قيود الزمان والمكان.
ولكننا نجدها مستحيلة بعد العودة إلى الأرض، حيث يتهم كل طرف بإقصاء الآخر والتفكير في القضاء عليه. لذلك، نجد رجال الأمن في النهاية يحكمون على الطبيب بالسجن مرة أخرى بسبب اختلافه معهم في الأفكار.
أهمية الفكرة مقابل تجسيد الشخصيات
لم يعر الحكيم اهتمامًا كبيرًا بتفاصيل الشخصيات، وركز على الأفكار التي تحملها. تبدو جميع الشخصيات متشابهة، ولا يتميز أحدهم عن الآخر بصفات خاصة. فالشخصية ليست سوى وعاء للفكرة. والتضحية بتفاصيل الشخصيات تهدف إلى إبراز الفروق الدقيقة بين سلوك إنسان وآخر في موقف واحد متشابه. كما أن الأسماء لم تكن ذات قيمة أو ضرورة في أي فصل من فصول المسرحية.