تحليل فني لقصيدة بلقيس لنزار قباني

تحليل فني لقصيدة بلقيس لنزار قباني: دراسة للصورة الشعرية من استعارة ومجاز وتشبيه. استكشاف جماليات القصيدة ورثاء نزار لزوجته بلقيس الراوي.

مقدمة حول القصيدة

تعتبر قصيدة “بلقيس” للشاعر الكبير نزار قباني من أبرز القصائد التي كتبها في رثاء زوجته، بلقيس الراوي. تحمل القصيدة في طياتها الكثير من الأحاسيس والمشاعر الجياشة، وتعكس مدى الحزن والألم الذي عاناه الشاعر بعد فقدانها. تتميز القصيدة بجماليات فنية عالية، حيث استخدم الشاعر العديد من الصور الشعرية الرائعة التي تزيد من تأثيرها وعمقها في نفس القارئ. سنقوم في هذا التحليل بدراسة بعض هذه الصور الفنية وتسليط الضوء على أبرزها.

التصوير الفني في القصيدة

تزخر قصيدة بلقيس بالعديد من الصور الفنية الرائعة التي تعبر عن مشاعر الفقد والألم والحزن العميق. استخدم الشاعر أدوات فنية متنوعة مثل الاستعارة والمجاز والتشبيه لكي يعبر عن هذه المشاعر بطريقة مؤثرة وجمالية. هذه الصور الفنية تساهم في إبراز جمال القصيدة وتزيد من تأثيرها في نفس القارئ، وتجعلها أكثر قربًا من القلب والعقل. من خلال هذه الصور، يتمكن القارئ من فهم عمق المشاعر التي كان يعيشها الشاعر، ويشاركه في حزنه وألمه.

توظيف الاستعارة

الاستعارة هي أحد أبرز الأدوات الفنية التي استخدمها نزار قباني في قصيدته “بلقيس”. تساعد الاستعارة على إضفاء بعد جمالي وعميق على النص، وتعبر عن المعاني بطريقة غير مباشرة ومبتكرة. من الأمثلة على الاستعارة في القصيدة:

  • “نحن تغتال القصيدة” – استعارة مكنية، شبه القصيدة بالإنسان الذي يغتاله غيره، حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه.
  • “يا نينوى الخضراء” – استعارة تصريحية، شبه بلقيس بنينوى، فحذف المشبه وأبقى على المشبه به.
  • “مثلنا التاريخ كاذب” – استعارة مكنية، شبه التاريخ بالإنسان الذي يكذب، حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه.

هذه الاستعارات تساهم في إبراز جمال القصيدة وعمقها، وتعكس مدى إبداع الشاعر في استخدام اللغة للتعبير عن مشاعره.

استخدام المجاز

بالإضافة إلى الاستعارة، استخدم نزار قباني المجاز في قصيدته “بلقيس” لإضفاء بعد جمالي آخر على النص. المجاز هو استخدام الكلمة أو العبارة في غير معناها الحقيقي، وذلك لإضفاء معنى جديد أو للتعبير عن فكرة بطريقة مبتكرة. من الأمثلة على المجاز في القصيدة:

  • “بيروت.. تقتل كل يومٍ واحداً منا” – استعمل لفظة تقتل على غير حقيقتها، فجعل بيروت قاتلة على سبيل المجاز.
  • “والبيت الصغير.. يسائل عن أميرتها” – استعمل لفظة السؤال للجماد، وهو ما يكون عادة على سبيل المجاز.
  • “إن زروعك الخضراء.. ما زالت على الحيطان باكيةً” – استعمل لفظة البكاء للجمادات، وهي الجدران على سبيل المجاز.

هذه الأمثلة تظهر كيف استخدم الشاعر المجاز للتعبير عن مشاعره بطريقة مؤثرة وجمالية، وكيف ساهم ذلك في إثراء النص وجعله أكثر عمقًا.

أمثلة على التشبيه

يعتبر التشبيه من الأدوات البلاغية الهامة التي استخدمها الشاعر نزار قباني في قصيدته “بلقيس” لتقريب المعاني وتوضيحها للقارئ. التشبيه هو عقد مقارنة بين شيئين يشتركان في صفة أو أكثر، وذلك باستخدام أداة تشبيه مثل “الكاف” أو “مثل”. من الأمثلة على التشبيه في القصيدة:

  • “القائد الموهوب أصبح كالمقاول” – تشبيه مجمل، أبقى على المشبه وهو القائد، والمشبه به وهو المقاول، وأداة التشبيه وهي الكاف.
  • “قتلوك في بيروت مثل أي غزالةٍ” – تشبيه تام الأركان، أبقى على المشبه وهو الكاف المقصود بها بلقيس، والمشبه به الغزال، وأداة التشبيه الكاف، ووجه الشبه وهو القتل.

هذه التشبيهات تساهم في توضيح المعاني وتقريبها للقارئ، وتجعل النص أكثر تأثيرًا وجمالًا.

مقتطفات من القصيدة

فيما يلي جزء من قصيدة بلقيس للشاعر نزار قباني:

شكراً لكم .. شكراً لكم . .
فحبيبتي قتلت .. وصار بوسعكم
أن تشربوا كأساً على قبر الشهيدة
وقصيدتي اغتيلت ..
وهل من أمـةٍ في الأرض ..
إلا نحن تغتال القصيدة ؟

بلقيس ...كانت أجمل الملكات في تاريخ بابل
بلقيس ..كانت أطول النخلات في أرض العراق
كانت إذا تمشي ..
ترافقها طواويسٌ ..
وتتبعها أيائل ..
بلقيس .. يا وجعي ..
ويا وجع القصيدة حين تلمسها الأنامل
هل يا ترى ..من بعد شعرك سوف ترتفع السنابل ؟

يا نينوى الخضراء ..
يا غجريتي الشقراء ..
يا أمواج دجلة . .
تلبس في الربيع بساقها
أحلى الخلاخل ..
قتلوك يا بلقيس ..
أية أمةٍ عربيةٍ ..
تلك التي
تغتال أصوات البلابل ؟
أين السموأل ؟
والمهلهل ؟
والغطاريف الأوائل ؟
فقبائلٌ أكلت قبائل ..
وثعالبٌ قتـلت ثعالب ..
وعناكبٌ قتلت عناكب ..
قسماً بعينيك اللتين إليهما ..
تأوي ملايين الكواكب ..
سأقول يا قمري عن العرب العجائب
فهل البطولة كذبةٌ عربيةٌ ؟
أم مثلنا التاريخ كاذب ؟

بلقيس
لا تتغيبي عني
فإن الشمس بعدك
لا تضيء على السواحل . .
سأقول في التحقيق
إن اللص أصبح يرتدي ثوب المقاتل
وأقول في التحقيق
إن القائد الموهوب أصبح كالمقاول ..
وأقول:
إن حكاية الإشعاع، أسخف نكتةٍ قيلت ..
فنحن قبيلةٌ بين القبائل
هذا هو التاريخ .. يا بلقيس ..
كيف يفرق الإنسان ..
ما بين الحدائق والمزابل

بلقيس ..
أيتها الشهيدة ..
والقصيدة ..
والمطهرة النقية ..
سبـأٌ تفتش عن مليكتها
فردي للجماهير التحية ..
يا أعظم الملكات ..
يا امرأةً تجسد كل أمجاد العصور السومرية
بلقيس ..
يا عصفورتي الأحلى ..
ويا أيقونتي الأغلى
ويا دمعاً تناثر فوق خد المجدلية
أترى ظلمتك إذ نقلتك
ذات يومٍ .. من ضفاف الأعظمية

بيروت .. تقتل كل يومٍ واحداً منا ..
وتبحث كل يومٍ عن ضحية
والموت .. في فنجان قهوتنا ..
وفي مفتاح شقتنا ..
وفي أزهار شرفتنا ..
وفي ورق الجرائد ..
والحروف الأبجدية ...
ها نحن .. يا بلقيس ..
ندخل مرةً أخرى لعصر الجاهلية ..
ها نحن ندخل في التوحش ..
والتخلف .. والبشاعة .. والوضاعة ..
ندخل مرةً أخرى .. عصور البربرية ..
حيث الكتابة رحلةٌ
بين الشظية .. والشظية
حيث اغتيال فراشةٍ في حقلها .. صار القضية ..
هل تعرفون حبيبتي بلقيس ؟
فهي أهم ما كتبوه في كتب الغرام
كانت مزيجاً رائعاً
بين القطيفة والرخام ..
كان البنفسج بين عينيها
ينام ولا ينام ..
بلقيس .. يا عطراً بذاكرتي ..
ويا قبراً يسافر في الغمام ..
قتلوك في بيروت مثل أي غزالةٍ
من بعدما .. قتلوا الكلام ..
بلقيس .. ليست هذه مرثيةً
لكن .. على العرب السلام
بلقيس .. مشتاقون .. مشتاقون .. مشتاقون ..
والبيت الصغير .. يسائل عن أميرته المعطرة الذيول
لنصغي إلى الأخبار .. والأخبار غامضةٌ
ولا تروي فضول
        

المراجع

  • أبت الأستاذة: زهيرة بنيني، مظاهر التشكيل الفني في قصيدة بلقيس للشاعر نزار قباني، صفحة 18-24. بتصرّف.
  • قصيدة بلقيس، الديوان.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

التصوير الفني في قصيدة أنشودة المطر

المقال التالي

الجماليات التصويرية في أشعار ابن المعتز

مقالات مشابهة