فهرس المحتويات:
صور التعبير الفني في لامية العرب
تزخر لامية العرب بالعديد من صور التعبير الفني والبلاغي التي تستحق الدراسة والتحليل. هذه الصور تعكس قدرة الشاعر على استخدام اللغة بطريقة مبتكرة للتعبير عن أفكاره ومشاعره. تتجلى هذه الصور في استخدام الاستعارة والتشبيه والمجاز والكناية، مما يضفي على القصيدة جمالاً ورونقاً خاصاً.
فن الاستعارة
الاستعارة هي أحد الفنون البلاغية التي يلجأ إليها الأدباء لإضفاء عمق وجمالية على نصوصهم. وفي لامية العرب، نجد أمثلة رائعة على استخدام الاستعارة، منها:
- لَعَمرُكَ ما في الأَرضِ ضيقٌ: هنا، صور الشاعر الأرض كأنها شيء مادي يمكن أن يضيق أو يتسع، وهي استعارة مكنية حيث حذف المشبه به وأبقى على شيء من لوازمه.
- وَلي دونَكُم أَهلَونَ سيدٌ عَمَلَّسٌ: شبه الشاعر الذئب بالإنسان الذي يحتمي به كالأهل، وهي استعارة مكنية أيضاً حيث حذف المشبه به وترك شيئاً من صفاته.
- فَلَمّا لَواهُ القوتُ: هنا، صور الشاعر القوت كأنه إنسان قادر على الليّ، وهي استعارة مكنية حذف فيها المشبه به وأبقى على لازم من لوازمه.
جمال التشبيه
يعتبر التشبيه من أهم أدوات البلاغة التي تساهم في تزيين القصائد وإضفاء الجمال عليها. ومن أجمل صور التشبيه التي وردت في القصيدة:
- وَصَفراءُ عَيطَلُ: شبه الشاعر انحناء القوس بانحناء رقبة النعامة، حيث أبقى على المشبه والمشبه به وحذف أداة التشبيه ووجه الشبه. الصفراء هي القوس، وعَيْطَلُ تعني رقبة النعامة.
- إِذا زَلَّ عَنها السَهمُ حَنَّت كَأَنَّها مُرَزَّأَةٌ عَجلى تُرِنُّ وَتُعوِلُ: تشبيه تام الأركان، حيث شبه انزلاق السهم من القوس بعويل المرأة الثكلى التي فقدت عزيزاً، فذكر المشبه والمشبه به وأداة التشبيه ووجه الشبه.
- وَاَطوي عَلى الخُمصِ الحَوايا كَما اِنطَوَت خُيوطَةُ مارِيٍّ تُغارُ وَتُفتَلُ: تشبيه كامل الأركان، حيث ذكر المشبه والمشبه به وأداة التشبيه ووجه الشبه.
روعة المجاز
المجاز هو فن بلاغي يعتمد على استخدام الكلمات في غير معانيها الأصلية لتحقيق تأثير بلاغي معين. ومن أمثلة المجاز في لامية العرب:
- مُستَودَعُ السِرِّ: استعار الشاعر لفظة “مستودع” واستخدمها في غير موضعها المعتاد، وحملها معنى إضافياً.
- الأَمَعزُ الصُوّانُ لاقى مَناسِمي: المناسم هي مقدمة حافر البعير، واستعار الشاعر هذه اللفظة للتعبير عن مقدمة رجله، وحملها على معنى مختلف عن معناها الأصلي.
بلاغة الكناية
الكناية هي وسيلة لتقريب المعاني إلى الأذهان بطريقة غير مباشرة. وفي القصيدة، نجد أمثلة على الكناية، مثل:
- وَإِن مُدَّتِ الأَيدي إِلى الزادِ لَم أَكنُ بِأَعجَلِهِم: كناية عن عزة نفس الشاعر ووقاره وعدم حاجته إلى طعام الآخرين.
- وَلَستُ بِمِهيافٍ يُعَشّي سَوامَهُ: كناية عن اكتفاء الشاعر وعدم حاجته إلى الزاد أو الشراب.
- أَديمُ مِطالَ الجوعِ حَتّى أُميتَهُ: كناية عن قوة الشاعر وبأسه وقدرته على تحمل الجوع ومحاربة الأعداء.
أبيات من قصيدة أقيموا بني أمي صدور مطيكم
قال الشاعر في قصيدته:
أَقيموا بَني أُمّي صُدورَ مَطِيَّكُم
فَإِنّي إِلى قَومٍ سِواكُم لَأَمَيلُ
فَقَد حُمَّت الحاجاتُ واللَيلُ مُقمِرٌ
وَشُدَّت لِطِيّاتٍ مَطايا وَأَرُحلُ
وَفي الأَرضِ مَنأى لِلكَريمِ عَنِ الأَذى
وَفيها لِمَن خافَ القِلى مُتَعَزَّلُ
لَعَمرُكَ ما في الأَرضِ ضيقٌ عَلى اِمرئٍ
سَرى راغِباً أَو راهِباً وَهوَ يَعقِلُ
وَلي دونَكُم أَهلَونَ سيدٌ عَمَلَّسٌ
وَأَرقَطُ زُهلولٌ وَعَرفاءُ جَيأَلُ
هُمُ الرَهطُ لا مُستَودَعُ السِرَّ ذائِعٌ
لَدَيهِم وَلا الجاني بِما جَرَّ يُخذَلُ
وَكُلٌّ أَبِيٌّ باسِلٌ غَيرَ أَننَّي
إِذا عَرَضَت أُولى الطَرائِدِ أَبسَلُ
وَإِن مُدَّتِ الأَيدي إِلى الزادِ لَم أَكنُ
بِأَعجَلِهِم إِذ أَجشَعُ القَومِ أَعجَلُ
وَما ذاكَ إِلاّ بَسطَةٌ عَن تَفَضُّلٍ
عَلَيهِم وَكانَ الأَفضَلَ المُتَفَضَّلُ
وَلي صاحِبٌ من دونِهم لا يَخونني
إِذا التبسَت كفِّي بِهِ يَتَأكّلُ
وَإِنّي كَفانِي فَقدُ مَن لَيسَ جازِياً
بِحُسنى وَلا في قُربٍه مُتَعَلَّلُ
ثَلاثَةُ أَصحابٍ فُؤادٌ مُشَيَّعٌ
وَأَبيَضُ إِصليتٌ وَصَفراءُ عَيطَلُ
هَتوفٌ مِنَ المُلسِ المُتونِ يَزينُها
رَصائِعُ قَد نيطَت إلَيها وَمِحمَلُ
إِذا زَلَّ عَنها السَهمُ حَنَّت كَأَنَّها
مُرَزَّأَةٌ عَجلى تُرِنُّ وَتُعوِلُ
وَأَغدو خميصَ البَطنِ لا يَستَفِزُّني
إِلى الزاد حِرصٌ أَو فُؤادٌ مُوَكَّلُ
وَلَستُ بِمِهيافٍ يُعَشّي سَوامَهُ
مُجَدَّعَةٌ سُقبانَها وَهيَ بُهَّلُ
وَلا جَبأَ أَكهى مُرِبٍّ بِعِرسِهِيُطالِعُها في شَأنِهِ كَيفَ يَفعَلُ
وَلا خَرِقٍ هَيقٍ كَأَنَّ فُؤادَهُ
يَظَلُّ بِهِ المُكَّاءُ يَعلو وَيَسفِلُ
وَلا خالِفٍ دارِيَّةٍ مُتَغَزَّلٍ
يَروحُ وَيَغدو داهِناً يَتَكَحَّلُ
وَلَستُ بِعَلٍّ شَرُّهُ دونَ خَيرِهِ
أَلَفَّ إِذا ما رُعتَهُ اِهتاجَ أَعزَلُ
وَلَستُ بِمِحيارِ الظَلامِ إِذا اِنتَحَتهُ
دى الهَوجِل العِسّيفِ يَهماءُ هَوجَلُ
إِذا الأَمَعزُ الصُوّانُ لاقى مَناسِمي
تَطايَرَ مِنهُ قادِحٌ وَمُفَلَّلُ
أَديمُ مِطالَ الجوعِ حَتّى أُميتَهُ
وَأَضرِبُ عَنهُ الذِكرَ صَفحاً فَأَذهَلُ
وَأَستَفُّ تُربَ الأَرضِ كَيلا يَرى لَهُ
عَلَيَّ مِنَ الطَولِ اِمُرؤ مُتَطَوَّلُ
وَلَولا اجتِنابُ الذَأم لَم يُلفَ مَشرَبٌ
يُعاشُ بِهِ إِلّا لَدَيَّ وَمَأكَلُ
وَلَكِنَّ نَفساً مُرَّةً لا تُقيمُ بي
عَلى الذَأمِ إِلّا رَيثما أَتَحَوَّلُ
وَاَطوي عَلى الخُمصِ الحَوايا كَما اِنطَوَت
خُيوطَةُ مارِيٍّ تُغارُ وَتُفتَلُ
وَأَغدو عَلى القوتِ الزَهيدِ كَما غَدَا
أَزَلُّ تَهاداهُ التَنائِفُ أَطحَلُ
غَدا طاوِياً يُعارِضُ الريحَ هافِياً
يَخوتُ بِأَذنابِ الشِعابِ وَيَعسَلُ
المراجع
- “الصورة الشعرية في لامية العرب”، دار المنظومة.
- “أقيموا بني أمي صدور مطيكم”، الديوان.