فهرس المحتويات
تمهيد: كورونا وتداعياته الاقتصادية
يمثل فيروس كورونا المستجد تحديًا عالميًا غير مسبوق، إذ لم يقتصر تأثيره على الجانب الصحي فحسب، بل امتد ليشمل جميع جوانب الحياة، وخاصةً الاقتصاد. هذا الوباء، الذي انتشر بسرعة فائقة عبر القارات، أحدث حالة من الركود الاقتصادي لم يشهدها العالم منذ عقود.
سرعة انتشار الفيروس وأعراضه الشبيهة بنزلات البرد العادية، والتي تتفاقم في كثير من الأحيان لتصل إلى الوفاة، حولت العالم إلى مسرح للخوف والقلق. أعلنت دول عديدة حالة الإغلاق التام، وتحولت المدن إلى ما يشبه المدن المهجورة، حيث لا يسمح بالخروج إلا بتصاريح حكومية أو لأسباب طارئة. أغلقت المحال التجارية أبوابها، وأعلنت الشركات عن توقف كامل للعمليات، في محاولة لوقف انتشار هذا الفيروس الخطير الذي تحولت ضحاياه إلى مجرد أرقام في نشرات الأخبار.
بدأت المخاوف تتصاعد بشأن حدوث أزمة اقتصادية عالمية، وذلك نتيجة لتعطل حركة السوق العالمية، وإغلاق المطارات، وتوقف حركة النقل التجاري. كما أدى التهافت على الأسواق لشراء السلع والمواد الأساسية إلى ظهور عادات استهلاكية سلبية. هذا الارتفاع في الاستهلاك والإنفاق أثر بشكل كبير على الاقتصاد، وزاد من احتمالية وقوع كارثة اقتصادية بسبب كورونا، خاصة مع استمرار تطور الوباء وتزايد احتمالية الإغلاق.
ازدادت مخاوف أصحاب رؤوس الأموال من انهيار الشركات الكبرى، مثل شركات الطيران والسيارات، التي توقفت بشكل كامل أو شبه كامل عن العمل. أصبحت التنقلات محدودة جدًا، واقتصرت على حالات الطوارئ. لقد تم تشديد إجراءات الوقاية من فيروس كورونا، مما أدى إلى مخاوف كبيرة من الانهيار الاقتصادي الذي سيؤثر بشكل خاص على الفئات الفقيرة، ويزيد من معدلات البطالة والفقر، خاصة بين العمالة اليومية والمهاجرين.
في تلك الأوقات العصيبة، كان الخوف هو المسيطر، وتوجس الناس من النتائج الوخيمة التي تنتظرهم. سعت الشركات المختلفة إلى الحد من الانهيار الاقتصادي الذي بدا حتميًا.
الآثار السلبية لجائحة كورونا على الاقتصاد
بدأت الدول في دراسة تأثير فيروس كورونا على الاقتصاد الدولي بشكل عام، وعلى القطاعات الاقتصادية الخاصة بكل دولة. بالنسبة للدول الخليجية، كان لابد من النظر إلى سوق النفط، الذي تعتمد عليه هذه الدول بشكل كبير في موازنة اقتصادها ودعمه. تعتمد هذه الدول على عائدات النفط لتعزيز النمو في القطاعات غير النفطية. ومع انخفاض الطلب على النفط، تأثرت القطاعات الأخرى التي عانت من توقف شبه كامل بسبب حظر الأيدي العاملة. كان هذا من أولى التداعيات التي أثارها فيروس كورونا في منطقة الشرق الأوسط والدول الخليجية على وجه الخصوص.
كان فيروس كورونا بمثابة ضربة قاسية للاقتصاد العالمي، الذي كان يعاني بالفعل من ضعف وهشاشة. أدى إغلاق المحال والشركات التجارية إلى خنق الطبقة العاملة الفقيرة التي تعتمد على دخلها الشهري لإطعام أطفالها وتأمين احتياجات منزلها. كما أدى توقف حركة النقل التجاري بين الدول إلى ظهور آثار سلبية حقيقية على الاقتصاد العالمي. وأكد العديد من الخبراء الاقتصاديين أن تأثيرات كورونا على الاقتصاد العالمي ستكون طويلة الأمد، ولن يتم حلها في يوم أو شهر أو حتى سنة، خاصة مع الإغلاقات العامة التي أدت إلى شلل كبير في الدول العربية والعالمية. تأثرت الدول العربية بهذا الإغلاق أكثر من الدول المتقدمة، لأن اقتصادها أكثر هشاشة.
تأثرت الأسواق المحلية والعالمية بهذه الإغلاقات المتكررة، وأصبح من الصعب على أصحاب الأعمال تحمل الخسائر المتكررة، مثل دفع رواتب الموظفين (بالنسبة للشركات التي استمرت في دفع الرواتب) وتلف البضائع بعد إغلاقها. أثرت جائحة كورونا بشكل كبير على سوق العملات والأسهم، وتدهورت أسعار النفط والمعادن إلى مستويات لم تشهدها منذ عقود. كما أدت تكاليف الرعاية الصحية والأدوية واللقاحات إلى زيادة الضغوط على الدول المتقدمة، حيث لم تكن جميع الدول مستعدة لتحمل النتائج الصحية المتدهورة التي أحدثها فيروس كورونا.
لقد خلف كورونا ندوبًا اقتصادية يصعب محوها، خاصة مع الإغلاقات المتكررة وغير المدروسة في العديد من الدول النامية، حيث لم يتم تعويض المواطنين عن فقدان وظائفهم، ولم تتحمل الدول أي مسؤولية اقتصادية تجاه المواطنين في هذه الظروف. كان كورونا بمثابة صفعة قوية للمستثمرين الصغار وضعيفي الدخل، وتمكن أيضًا من زعزعة عروش كبار المستثمرين.
مقترحات للتعامل مع التحديات الاقتصادية في ظل كورونا
يُعد فيروس كورونا من بين الأوبئة الأكثر تأثيرًا على مختلف جوانب الحياة، بما في ذلك التعليم والاقتصاد وسوق العملات والزراعة وحتى الحصاد. انقسم الناس بين مكذب للمرض، يرى أنه مؤامرة دولية للقضاء على اقتصادات الدول النامية، ومصدق له، أنفق كل ما يملك على المعقمات والمستلزمات الطبية. بغض النظر عن موقف الفرد من هذا الوباء، فإنه مجبر على التعامل معه بجدية، خاصة بعد انتشاره على نطاق واسع وتأثيره على الأهل والأصدقاء.
لقد صنّف الخبراء الاقتصاديون الأزمة الاقتصادية التي أحدثها كورونا بأنها الأسوأ منذ ثلاثة عقود. ووفقًا للإحصائيات والتقارير العالمية، فقد تم الاستغناء عن حوالي 225 مليون وظيفة دائمة، وانخفضت ساعات العمل. كما زادت نسبة الاحتكار للمواد المطلوبة، مثل المواد الغذائية والمطهرات، وارتفعت أسعارها بشكل كبير، وانخفضت حركة الشراء العالمية، وتوقفت العديد من العقود بين الشركات العالمية.
ولكن في المقابل، انتشرت الأسواق الإلكترونية بشكل كبير، وأصبح بإمكان الناس شراء جميع احتياجاتهم وتوصيلها إلى منازلهم دون الحاجة إلى الذهاب والتسوق والاتصال المباشر مع الآخرين. انتشرت شركات التوصيل التي تتولى توصيل المنتجات من المتاجر التي لا تقدم خدمة التوصيل. كما انتشر التعليم الإلكتروني عن بعد، حيث يتلقى الطلاب المعلومات من معلميهم عبر الإنترنت. يمكن القول إن السوق الإلكتروني قد حل محل السوق الواقعي إلى حد كبير، حتى أن الناس اعتادوا عليه وأصبحوا يعتمدون عليه حتى في غياب الحظر. ومع ذلك، لم يحقق السوق الإلكتروني نفس النجاحات التي حققها السوق الواقعي، لكن بعض الشركات حاولت استبدال السوق الواقعي بالسوق الإلكتروني.
إن كورونا هو أحد الحالات الطارئة التي تصيب الأسواق العالمية من حين لآخر. تمكن الكثير من الناس من التكيف مع الوضع، على الرغم من خطورته، لكن هناك مجموعة كبيرة من الناس لم يتمكنوا حتى الآن من تأمين حياتهم بعد المصائب التي حلت بهم بسبب كورونا. يبقى الأمل هو حبل النجاة الوحيد الذي يتعلق به الإنسان، وتتطلع الشعوب إلى نهاية قريبة لهذا الفيروس الخطير.
قال تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 155].
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له”.