مقدمة
تُعتبر رواية “اللص والكلاب” لنجيب محفوظ من الأعمال الأدبية الهامة التي تستحق التحليل والتأمل. تتناول الرواية قصة سعيد مهران، اللص الذي يخرج من السجن ليجد عالمه قد تغير، فيسعى للانتقام ممن خانوه. لتحقيق فهم أعمق للرواية، يجب دراسة العوامل المؤثرة التي ساهمت في تشكيل الأحداث والشخصيات.
العوامل المؤثرة في الرواية
تشمل هذه العوامل جميع العناصر التي تؤثر في مسار الأحداث وتطور الشخصيات، سواء كانت شخصيات بشرية أو قوى غير إنسانية. هذه القوى تلعب دورًا حيويًا في بناء الحبكة وتعميق الصراع الدرامي.
يمكن اعتبار هذه القوى كـ “أدوار وظيفية”، حيث يساهم كل عنصر بدور ووظيفة محددة في الأحداث. وقد قام “غريماس” بتقسيم هذه الأدوار إلى ستة عناصر رئيسية موزعة على ثلاثة محاور:
- محور الاتصال: المرسِل – المرسَل إليه
- محور الرغبة: الذات – الهدف
- محور الصراع: المساعد – المعارض
الشخصيات الفاعلة
تنقسم الشخصيات في الرواية إلى ثلاث فئات رئيسية:
الشخصية الرئيسية
سعيد مهران: الشخصية المحورية في الرواية. نشأ يتيمًا وعانى من الفقر، تعرف على رؤوف علوان الذي أقنعه بالسرقة. كان سعيد مناصرًا للمظلومين، لكنه تحول إلى أسير للحقد والانتقام بعد خيانة نبوية وعليش له.
يقول سعيد:
“نبوية عليش، كيف انقلب الاسمان اسماً واحداً؟، أنتما تعملان لهذا اليوم ألف حساب، وقديما ظننتما أن باب السجن لن ينفتح، ولعلكما تترقبان في حذر، ولن أقع في الفخ، ولكني سأنقض في الوقت المناسب كالقدر”.
الشخصيات المعارضة
- رؤوف علوان: كان أكثر حظًا من سعيد، أكمل تعليمه واستغل منصبه في الصحافة لتحقيق مطامعه الشخصية. تنكر لطبقته وشوه الحقائق ضد سعيد، ممثلاً للطبقة البرجوازية.
- نبوية: خادمة فقيرة وجميلة، أحبها سعيد وتزوجها، لكنها خانته بعد دخوله السجن وتزوجت من عليش سدرة.
- عليش سدرة: غريم سعيد، استغل سجنه للاستيلاء على زوجته وابنته وممتلكاته. يمثل خيانة الصديق.
- سناء: ابنة سعيد، عاشت بعيدًا عن والدها ولم تعرفه، مما أدى إلى صراع داخلي. ترمز إلى البراءة والطفولة المغتصبة.
يقول سعيد مخاطباً رؤوف:
“تود أن تقتلني كما كان الآخرون. وكما تود أن تقتل ضميرك. وكما تود أن تقتل الماضي. لكني لن أموت قبل أن أقتلك. أنت الخائن الأول”.
يقول سعيد متوعداً نبوية:
“بل هاتوا أمها. كم أرغب أن تلتقي العينان. كي أرى سرا من أسرار الجحيم. الفأس والمطرقة”.
يقول سعيد مخاطباً عليش:
“ولعلك تنظر من الشيش مستخفيا كالنساء يا عليش”.
يقول الراوي عن سناء:
“وسناء إذا خطرت في النفس انجاب عنها الحر والغبار والبغضاء والكدر. وسطع الحنان فيها كالنقاء غب المطر. ماذا تعرف الصغيرة عن أبيها؟.. لاشيء”.
الشخصيات المساندة
- الشيخ علي الجنيدي: زاهد يمثل الجانب الروحي. حاول إقناع سعيد بالاتجاه إلى الدين، وكان مصدر اطمئنان له.
- المعلم طرزان: صاحب مقهى وصديق سعيد. حذره من المخبرين وكان رمزًا للأمانة والصداقة.
- نور: مومس أحبت سعيد ووفرت له المسكن والسيارة. عاشت في ظروف اجتماعية قاسية، وتمثل القيم المفقودة.
يقول الراوي عن سعيد والشيخ الجنيدي:
“تضاعف شعوره بأنه يعرفه، وقلق دون سبب مفهوم وقال: ليس بيتًا فحسب، أكثر من ذلك، أود أن أقول اللهم ارض عني…”.
عندما طلب سعيد مسدساً:
“فهمس سعيد في أذنه:ـ يلزمني مسدس جيد! فقال طرزان بلا تردد:ـ تحت أمرك..” .
تقول نور لسعيد:
“لا يعرفني هناك أحد، ولم يزرني فيه أحد، ستكون أول رجل يدخله، وشقتي في أعلى دور..” .
العناصر غير البشرية
تلعب العناصر غير البشرية دورًا كبيرًا في الرواية، وتشمل:
المؤسسات
تؤثر المؤسسات بشكل كبير على الشخصيات والأحداث. السجن، الصحافة، المدرسة، والجامعة كلها لعبت أدوارًا مهمة في حياة سعيد ورؤوف وغيرهم.
الجمادات والأماكن
تتنوع الأماكن بين الحارة، المقهى، منزل نور، فيلا رؤوف علوان، الجبل، المقبرة، الشوارع، وعمارة سكن الطلاب. كل هذه الأماكن تركت أثرًا في نفسية الشخصيات، حيث تحمل ذكريات جميلة وأليمة.
القيم والمشاعر
تتنوع القيم والمشاعر بين الزهد والقناعة (الشيخ الجنيدي)، والانحراف والخروج عن القانون (نور وطرزان)، وحب الطبقة الأرستقراطية (رؤوف علوان). سعيد مهران عاش مشاعر مختلفة، بما في ذلك الخيانة الاجتماعية (نبوية) والخيانة الأيديولوجية (رؤوف علوان).
أدوار القوى الفاعلة
تختلف أدوار القوى الفاعلة في الرواية حسب الأفعال والتصرفات. سعيد مهران هو “العامل الذات” الذي يسعى للانتقام. الشخصيات المساندة (الشيخ الجنيدي، نور، طرزان) تمثل “العامل المرسل”، بينما “العامل المعارض” يتمثل في الشرطة والصحافة وخصوم سعيد. “العامل المرسل إليه” هم عليش ونبوية وعلوان.
