المعنى الإجمالي لقوله تعالى (قال فمن ربكما يا موسى)
تأتي هذه الآية ضمن سياق قصة دعوة النبي موسى وأخيه هارون -عليهما السلام- لفرعون إلى عبادة الله وحده لا شريك له. وردت هذه الآية في سورة طه، وتحكي لنا عن حوار دار بين موسى وهارون وفرعون، حيث سأل فرعون موسى وهارون سؤالاً استنكارياً: “من ربكما؟”. كان فرعون يطرح هذا السؤال مستنكراً، والمتحدث هنا هما النبي موسى وأخوه هارون -عليهما السلام-. تجدر الإشارة إلى أن هارون -عليه السلام- كان شريكاً لموسى في النبوة ووزيراً له.
ذكر بعض العلماء في تفسيرهم لهذه الآية أن المقصود هو: “فمن ربك وربه يا موسى؟”، وجاء الخطاب بصيغة الجمع تغليباً لوجود موسى وهارون -عليهما السلام- معاً. أما عن سبب اقتصار الآية على ذكر موسى -عليه السلام- دون هارون، فقد قيل إنه لموافقة رؤوس الآيات. ورأي آخر يرى أن الخطاب موجه إلى موسى -عليه السلام- فقط، واستدلوا على ذلك بأن الله قال “ربنا” ولم يقل “قالا”، فلو كان الخطاب موجهاً لكليهما، لكان الجواب منهما معاً.
التفسير التفصيلي لآية (قال فمن ربكما يا موسى)
إن تخصيص موسى -عليه السلام- بالنداء في الآية يعود إلى كونه المتحدث الرئيسي عن نفسه وعن هارون في الرسالة والدعوة. يمثل سؤال فرعون تحدياً واستنكاراً، إذ كان فرعون يعتبر نفسه إلهاً ورباً، ويطالب قومه بعبادته. وعندما جاءه موسى وهارون -عليهما السلام- يدعوانه إلى عبادة الله الواحد، كذبهما فرعون منكراً وجود إله غيره.
ويرى بعض المفسرين أن الله تعالى يخبرنا في هذه الآية عن إنكار فرعون لوجود الخالق، الله عز وجل، الذي هو إله كل شيء وخالق كل شيء. فكأن فرعون يسأل موسى: من الذي أرسلك وبعثك إلي؟ أنا لا أعرفه، وما علمت لكم من إله غيري. هذا الإنكار يعكس مدى طغيان فرعون وتكبره.
العِبَر والمواعظ المستفادة من آية (قال فمن ربكما يا موسى)
تزخر هذه الآية الكريمة بالعديد من الدروس والعبر القيمة، ومنها:
- أهمية الدعوة إلى الله: تؤكد الآية على أن الأنبياء جميعاً قاموا بمهمة الدعوة والرسالة على أكمل وجه. فقد قام موسى وهارون -عليهما السلام- بتبليغ دعوة التوحيد لفرعون، امتثالاً لأمر الله: اذهبا فقولا له ما أمرتكما به، فكان رد فرعون: من ربكما؟
- دور الوزير وأهميته: تجسد دور الوزير في شخص النبي هارون -عليه الصلاة والسلام-، الذي كان مؤيداً ومسانداً لأخيه موسى -عليه السلام- في دعوته لفرعون. وهذا يبين أهمية وجود معين للداعية إلى الله.
- الحكمة في الدعوة: حرص موسى -عليه السلام- على دعوة فرعون إلى الإيمان بالله تعالى، رغم نشأته في قصره. قد يكون التواصل السابق بينهما هو ما جعل موسى -عليه السلام- يتولى الحوار، في حين يصدقه هارون -عليه السلام-. ويتضح ذلك أيضاً في قول فرعون للنبيين موسى وهارون -عليهما السلام- بجملة مفصولة.
- أساليب الحوار: لقد وجه فرعون الكلام إلى موسى وهارون -عليهما السلام- بالضمير المشترك في البداية، ثم بعد ذلك خص النبي موسى -عليه السلام- بالخطاب؛ لأنه كان يرى أن النبي موسى -عليه السلام- هو المحاور الرئيسي والمقصود بالدعوة.
قال تعالى: ﴿قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَىٰ﴾ [طه: 49].
وفي الحديث الصحيح: “الدِّينُ النَّصِيحَةُ. قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ” [رواه مسلم].