تحقيق الإجابة: مفهوم الدعاء وشروطه وآدابه

اكتشف المعنى الحقيقي للدعاء، وتعرّف على الشروط اللازمة لتحقيق الإجابة، وأفضل الأوقات والأماكن التي يُستجاب فيها الدعاء، بالإضافة إلى أهم العوائق التي قد تمنع استجابة الدعاء.

المفهوم اللغوي والاصطلاحي للدعاء

الدعاء في اللغة هو مناداة أو استغاثة، ويعني رفع الصوت لطلب الحاجة من شخص ما. أما في الاصطلاح، فيتجسد الدعاء في تضرع العبد إلى الله عز وجل، ورجائه في الحصول على العون والرحمة، سواء كان ذلك بدافع الخوف من عقابه أو الطمع في جنته ورضوانه. وقد وصف الله تعالى عباده المؤمنين بقوله: ﴿يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً﴾.

يتحقق استجابة الدعاء باكتمال شروطه وانتفاء الموانع. وقد أكرم الله عباده بأن وعدهم بالإجابة، مصداقاً لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ما على الأرض مسلمٌ يدعو اللهَ تعالى بدعوةٍ إلا آتاه اللهُ إياها أو صَرَف عنه من السوءِ مثلَها ما لم يدعُ بمأثمٍ أو قطيعةِ رَحِمٍ فقال رجلٌ من القوم إذا نُكثِرُ قال اللهُ أكثرُ).

ضوابط استجابة الدعاء

وضع الله تعالى شروطًا ميسرة لاستجابة الدعاء، وتحقيق هذه الشروط يزيد من فرص استجابة دعاء العبد. ومن أهم هذه الشروط:

  • الدعاء في كل الأوقات، في الرخاء قبل الشدة، فالله يحب أن يسمع صوت عبده في كل حين.
  • تحري الرزق الحلال، فالله طيب لا يقبل إلا طيبا.
  • الإكثار من الاستغفار، والاعتراف بالذنب، والبعد عن المعاصي، فهي حجاب بين العبد وربه.
  • إعادة الحقوق إلى أصحابها، وتجنب الظلم، فدعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب.
  • الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فذلك من علامات صلاح المجتمع واستحقاقه لرحمة الله.
  • الدعاء بخشوع وخضوع، وتضرع إلى الله بقلب حاضر، بعيدًا عن الغفلة واللهو.
  • الدعاء بأسماء الله الحسنى وصفاته العلى، والثناء عليه قبل البدء في الدعاء.
  • تجنب الدعاء بإثم أو الاعتداء في الدعاء، كأن يدعو على شخص بغير حق.
  • الوضوء واستقبال القبلة عند الدعاء، فهي من آداب الدعاء.
  • الدعاء بيقين وجزم وإلحاح، وعدم التردد أو الشك في قدرة الله.
  • عدم استعجال الإجابة، فالله أعلم بموعدها المناسب.

أوقات يفضل فيها الدعاء

من رحمة الله بعباده أن جعل للدعاء أوقاتًا يكون فيها أقرب للإجابة، ومن هذه الأوقات:

  • عند النداء للصلاة، أي عند الأذان، وعند التحام الجيوش في المعارك، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (ثِنتانِ لا تُرَدَّانِ، أو قلَّما تُردَّانِ: الدعاءُ عِندَ النِّداءِ، وعِندَ البأسِ حينَ يُلحِمُ بعضُهم بعضًا).
  • بين الأذان والإقامة، لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (الدعاءُ لا يُردُّ بين الأذانِ والإقامةِ).
  • في الثلث الأخير من الليل، لقوله -صلى الله عليه وسلم-:(إنَّ في اللَّيْلِ لَسَاعَةً لا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ، يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا مِن أَمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ، وَذلكَ كُلَّ لَيْلَةٍ).
  • في السجود، لقوله -صلى الله عليه وسلم-:(أَقْرَبُ ما يَكونُ العَبْدُ مِن رَبِّهِ، وهو ساجِدٌ، فأكْثِرُوا الدُّعاءَ).
  • في ساعة الاستجابة يوم الجمعة، حيث قال -صلى الله عليه وسلم-:(إنَّ في الجُمُعَةِ لَساعَةً، لا يُوافِقُها مُسْلِمٌ، قائِمٌ يُصَلِّي، يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا، إلَّا أعْطاهُ إيَّاهُ).
  • بعد الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- في التشهد الأخير، لما ورد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: “كنت أصلي فلما جلستُ بدأتُ بالثَّناءِ على اللهِ، ثم الصلاةُ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ، ثم دعوتُ لنفْسي”، فقال النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-:(سَلْ تُعطَهْ، سَلْ تُعطَه).
  • في جوف الليل وبعد الصلوات المكتوبة، حيث سئل النبي -صلى الله عليه وسلم-:(قيلَ يا رسولَ اللهِ: أيُّ الدُّعاءِ أسمَعُ قال جوفَ اللَّيلِ الآخرِ ودُبُرَ الصَّلواتِ المكتوباتِ).

مواضع مباركة يستجاب فيها الدعاء

ورد في السنة النبوية تحديد بعض الأماكن التي يستجاب فيها الدعاء، ومن هذه الأماكن:

  • الدعاء في الطواف حول الكعبة، اقتداءً بدعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- بين الركن اليماني والحجر الأسود بقوله:(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ).
  • الدعاء على الصفا والمروة، حيث ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يدعو ويقول:( أَبْدَأُ بما بَدَأَ اللَّهُ به فَبَدَأَ بالصَّفَا، فَرَقِيَ عليه، حتَّى رَأَى البَيْتَ فَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، فَوَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ، وَقالَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ له، له المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهو علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ، أَنْجَزَ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأحْزَابَ وَحْدَهُ ثُمَّ دَعَا بيْنَ ذلكَ).
  • عند رمي الجمرات، لفعل عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- الذي يحدِّث به عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- حيث كان:(يَقُوم مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ قِيَامًا طَوِيلًا، فَيَدْعُو ويَرْفَعُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَرْمِي الجَمْرَةَ الوُسْطَى كَذلكَ، فَيَأْخُذُ ذَاتَ الشِّمَالِ فيُسْهِلُ ويقومُ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ قِيَامًا طَوِيلًا، فَيَدْعُو ويَرْفَعُ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَرْمِي الجَمْرَةَ ثم يقولُ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَفْعَلُ).
  • في أماكن اجتماع المسلمين لمجالس الذكر، لقوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث القدسي:(قدْ غَفَرْتُ لهمْ فأعْطَيْتُهُمْ ما سَأَلُوا، وَأَجَرْتُهُمْ ممَّا اسْتَجَارُوا، قالَ: فيَقولونَ: رَبِّ فيهم فُلَانٌ عَبْدٌ خَطَّاءٌ، إنَّما مَرَّ فَجَلَسَ معهُمْ، قالَ: فيَقولُ: وَلَهُ غَفَرْتُ هُمُ القَوْمُ لا يَشْقَى بهِمْ جَلِيسُهُمْ).

أسباب تحجب إجابة الدعاء

قد يدعو المسلم كثيرًا، لكنه لا يرى استجابة لدعائه، وذلك لوجود بعض الموانع، ومنها:

  • استعجال الإجابة، لقوله -صلى الله عليه وسلم-:(يُسْتَجابُ لأحَدِكُمْ ما لَمْ يَعْجَلْ، يقولُ: دَعَوْتُ فَلَمْ يُسْتَجَبْ لِي).
  • ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من ذلك فقال:(والذي نفسي بيدِه لتَأمرُنَّ بالمعروفِ ولتَنهوُنَّ عن المنكرِ أوليُوشِكَنَّ اللهُ أن يَبعثَ عليكمْ عقابًا منهُ فتدعونهُ فلا يَستجيبُ لكمْ).
  • الدعاء بالإثم أو قطيعة الرحم، لقوله -صلى الله عليه وسلم-:(لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ، ما لَمْ يَدْعُ بإثْمٍ، أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ).
  • أكل المال الحرام، لقوله -صلى الله عليه وسلم-:( ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أشْعَثَ أغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السَّماءِ، يا رَبِّ، يا رَبِّ، ومَطْعَمُهُ حَرامٌ، ومَشْرَبُهُ حَرامٌ، ومَلْبَسُهُ حَرامٌ، وغُذِيَ بالحَرامِ، فأنَّى يُسْتَجابُ لذلكَ؟).
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

أدعية مستجابة: كنوز من السنة النبوية

المقال التالي

أفضل الأدعية في يوم عرفة

مقالات مشابهة