مقدمة
إن صيانة أعراض المسلمين وحفظ كرامتهم من الأمور التي أولاها الإسلام اهتماماً بالغاً. فالكلمة سلاح ذو حدين، وقد تكون سبباً في دخول الجنة أو النار. لذا، فإن تجنب إيذاء الآخرين بالقول أو الفعل يعتبر من أهم الأخلاق التي يجب أن يتحلى بها المسلم. وفي هذا المقال، سنتناول بالتفصيل مسألة خطيرة من آفات اللسان، وهي الاعتداء اللفظي على سمعة الآخرين، وبيان حكمها الشرعي والأدلة الواردة فيها.
توضيح مفهوم الاعتداء اللفظي على سمعة الغير
يشمل الاعتداء اللفظي على سمعة الغير كل قول أو فعل يهدف إلى النيل من كرامة الشخص وسمعته، سواء كان ذلك بالتصريح أو التلميح. ومن الأمثلة على ذلك اتهام الأفراد بالزنا، أو نسبتهم إلى علاقات غير شرعية، أو وصفهم بألفاظ نابية تخدش الحياء. فكل هذه الأفعال تعتبر من المحرمات في الشريعة الإسلامية، وتستوجب العقوبة.
يعرف هذا الفعل في الشريعة الإسلامية بـ”قذف المحصنات”، وقد اعتبره العلماء من كبائر الذنوب. فقد استدل الذهبي وغيره بقول الله -تعالى-: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾. فالآية الكريمة تدل على عظم هذا الذنب وخطورته، وأن مرتكبه يستحق اللعنة في الدنيا والآخرة.
براهين شرعية في تحريم خدش سمعة الناس
وردت العديد من النصوص الشرعية في القرآن الكريم والسنة النبوية التي تحذر من الاعتداء اللفظي على سمعة الآخرين، وتبين عاقبة ذلك في الدنيا والآخرة. ومن هذه النصوص:
- قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾. فقد بينت الآية الكريمة العقوبة الشديدة التي تنتظر من يقذف المحصنات، وهي الجلد ثمانين جلدة، ورد شهادته، والحكم عليه بالفسق.
- قوله -صلى الله عليه وسلم-:(اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقَاتِ قالوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، وَما هُنَّ؟ قالَ: الشِّرْكُ باللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بالحَقِّ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ اليَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَومَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ الغَافِلَاتِ). وهذا الحديث الشريف يدل على أن قذف المحصنات من الكبائر المهلكة التي تجلب غضب الله وعذابه.
- قوله -صلى الله عليه وسلم-:(إنَّ المُفْلِسَ مِن أُمَّتي يَأْتي يَومَ القِيامَةِ بصَلاةٍ، وصِيامٍ، وزَكاةٍ، ويَأْتي قدْ شَتَمَ هذا، وقَذَفَ هذا، وأَكَلَ مالَ هذا، وسَفَكَ دَمَ هذا، وضَرَبَ هذا، فيُعْطَى هذا مِن حَسَناتِهِ، وهذا مِن حَسَناتِهِ، فإنْ فَنِيَتْ حَسَناتُهُ قَبْلَ أنْ يُقْضَى ما عليه أُخِذَ مِن خَطاياهُمْ فَطُرِحَتْ عليه، ثُمَّ طُرِحَ في النَّارِ). وهذا الحديث يبين أن الاعتداء على حقوق الآخرين، بما في ذلك أعراضهم، قد يكون سبباً في ضياع حسنات العبد ودخوله النار.
- قوله تعالى: ﴿وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ﴾. فالهمز واللمز هما من صور الاعتداء على الآخرين بالقول والفعل، وقد توعد الله تعالى فاعلهما بالويل، وهو العذاب الشديد.
- قوله -صلى الله عليه وسلم-:(الربا اثنانِ وسبعونَ بابًا أدناها مثلُ إتيانِ الرجُلِ أُمَّهُ، وإِنَّ أربى الرِّبا استطالَةُ الرجلِ في عرضِ أخيهِ). وهذا الحديث يدل على أن الاعتداء على أعراض الناس أشد حرمة من الربا، وهو من أكبر الكبائر.
- قوله -صلى الله عليه وسلم-:(من قال في مؤمنٍ ما ليس فيه أسكَنَه اللهُ رَدغةَ الخَبالِ حتى يخرُجَ ممَّا قال)، وقد فسر النبي -صلى الله عليه وسلم- ردغة الخبال بأنها:(عُصَارةُ أهلِ النارِ). وهذا الحديث يبين عاقبة من يتهم المؤمن بما ليس فيه، وأن الله تعالى سيعذبه عذاباً شديداً حتى يتوب ويرجع عما قال.
الخلاصة
مما سبق يتضح لنا خطورة الاعتداء اللفظي على سمعة الآخرين، وأنه من كبائر الذنوب التي تستوجب العقوبة في الدنيا والآخرة. لذا، يجب على المسلم أن يحفظ لسانه ويتجنب كل ما يخدش سمعة الآخرين أو ينال من كرامتهم. فالمسلم الحق هو الذي يسلم المسلمون من لسانه ويده، ويسعى دائماً إلى نشر الخير والمحبة بين الناس.