تصوير فتنة الطبيعة في الأرياف
إن الأرياف هي تلك البقعة التي نجت من براثن التلوث والتوسع الحضري العشوائي، فهي لا تزال تحتفظ بجمالها الفطري وسحرها الأخاذ، وتستمد إشراقها وروعتها من الأرض والشمس. الريف هو ذلك العالم الذي يعيدنا إلى جوهر هويتنا الإنسانية، ويذكرنا بعلاقتنا الوثيقة مع الكوكب الذي نعيش عليه.
هذا الكوكب ليس مجرد مكان لعرض إبداعاتنا ومشاريعنا، وبناء هياكل إسمنتية ضخمة ومباني مرتفعة، بل هو ساحة تعرض قدرة الخالق العظيم على الإبداع والابتكار، ومساحة يجد فيها الإنسان سكينة وراحة فريدة، لا يجدها في أي مكان آخر من صنع يديه. فالطبيعة لها تأثيرها الخاص والمميز الذي لا يضاهى.
يسكن الأرياف العديد من الناس الطيبين الذين اندمجوا في الطبيعة واستمدوا منها بساطتها وجمالها، مما انعكس على طبائعهم وأخلاقهم، وعلمتهم الكثير من الصفات النبيلة، مثل العطاء بلا حدود، ومساعدة المحتاج، والتعلق بالأرض والاعتزاز بها.
لقد احتضنت الأرياف سكانًا بسطاء حافظوا على سلامتها وروعة طبيعتها، فهي موطنهم الذي لا يفارقونه، ومكان إقامتهم الذي يرفضون تغييره، ويرفضون تقليد المدن الحديثة التي أزالت كافة مظاهر الطبيعة واستبدلتها بمنتجات صناعية جوفاء لا حياة فيها.
تضم الأرياف بين جنباتها العديد من المناظر الطبيعية الخلابة، مثل الغابات والأنهار والجداول الصغيرة، حيث تعيش الحيوانات في سلام، ولا تخشى إلا زحف التوسع العمراني عليها، فهي أيضًا كائنات لها حق العيش في بيئتها، ولا يمكنها التكيف مع التوسع البشري الذي يقضي على هذه المناظر الطبيعية.
أخلاقيات التعامل السليم مع الطبيعة
عند زيارة الأرياف، يجب علينا الالتزام بالأخلاق الحميدة والفضائل النبيلة، فلا يجوز لنا التخريب والتكسير أو تلويث المياه بالنفايات وبقايا الطعام، وعلينا توخي الحذر عند إشعال النار لغرض طهي الطعام، حتى لا نتسبب في إحراق مساحات واسعة من الأشجار والأعشاب.
بالإضافة إلى ذلك، من الضروري تنظيف المكان قبل المغادرة، وعدم ترك المخلفات البلاستيكية والقمامة التي تشوه جمال المكان وتنشر التلوث، فهذه المخلفات قد تتسبب في تسمم الحيوانات الموجودة، وقد تؤدي إلى تلويث مصادر المياه التي يستفيد منها المزارعون وغيرهم.
الحفاظ على الأرياف وصيانة البيئة
تواجه الأرياف والطبيعة اليوم خطرًا متزايدًا في مختلف المجالات، فقد ازداد الطلب على مصادر المياه، بالإضافة إلى ممارسات خاطئة أخرى مثل قطع الأشجار وتحويل أراضي الغابات إلى أراض زراعية، مما أدى إلى تقليل الغطاء النباتي وتدهور التربة وانجرافها، حتى وصل الأمر إلى تصحرها وعدم صلاحيتها للزراعة أو الاستصلاح.
أيضًا، لا يمكننا تجاهل الخطر المحدق بالأرياف وهو توسع المدن على حسابها، ونقل بعض المصانع والمنشآت الملوثة إليها، مما أدى إلى موت العديد من الحيوانات والنباتات، حتى أن بعضها أصبح مهددًا بالانقراض.
لقد احتضنت الأرياف العديد من المظاهر الطبيعية، وعمل سكانها على الحفاظ عليها وعلى ما تحتويه، وعلينا واجبات جمة تجاه هذه الطبيعة، حتى تبقى مستمرة ومعطاءة، وحتى ننعم بجمالها، وتكون لنا متنفسًا من حياة المدينة الرتيبة، فالريف مسؤولية من مسؤولياتنا ويجب الحفاظ عليه.
قال تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الروم: 41].
وجاء في الحديث الشريف: “ما من مسلم يغرس غرسا، أو يزرع زرعا، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة، إلا كان له به صدقة” (رواه البخاري ومسلم).