مقدمة حول التجديد الشعري
لقد أثار مفهوم التجديد جدلاً واسعاً في الأوساط الأدبية، خاصةً في الثقافة العربية. التجديد يمثل كل ما هو معاصر ومبتكر، ولا يقتصر على حقل معين.
اصطلاحاً، يشير التجديد إلى أسلوب حياة، وفكر، ورؤى، يتسم بالتغير المستمر والرفض للجمود، ويدعو إلى الارتقاء بالإنسان.
في الغرب، بدأت حركة التجديد مع بودلير في القرن التاسع عشر، حيث رأى الأدباء أن التجديد هو التعصب للحاضر ضد الماضي.
أما في العالم العربي، فقد تبلور المفهوم بعد الحرب العالمية الثانية، مع جماعة الفن والحرية، التي نادت بتحرير الفن. التجديد هنا يعني الإبداع والتميز، ولا يتقيد بزمن أو شكل، بل هو موقف تجاه الحياة والشعر.
ملامح التجديد في الشعر العربي
يتسم التجديد في الشعر العربي بعدة خصائص رئيسية، يمكن تلخيصها فيما يلي:
- التجديد يقف في مقابل التقليد.
- يرتبط بتاريخ أوروبا.
- يتسم بالشمولية.
- يسعى إلى العالمية.
- يحمل معنى الفقد الذاتي.
بدايات التجديد في الشعر العربي وتطوره
لقد تأثر الشعر العربي بالتجديد، وما صاحبه من وعي جديد بأهمية التطوير والتحديث. وقد تجلى ذلك في ظهور رؤية نقدية جديدة، تقوم على أسس مختلفة في فهم القصيدة العربية.
رافقت هذه الرؤية النقدية نهضة شعرية جديدة، امتدت من نهاية القرن التاسع عشر، وشكلت المراحل التطورية المتلاحقة الإرهاصات الفكرية لمشروع التجديد، الذي بدأ يتبلور بوضوح مع منتصف القرن العشرين، حيث مثلت مرحلة الإحياء نقطة انطلاق أولية باتجاه الشعر الحديث، بدأت مع البارودي واكتملت مع أحمد شوقي.
أثار ظهور التجديد الشعري في منتصف القرن العشرين حراكاً نقدياً واسعاً بين الأدباء والمفكرين، وصل إلى حد الرفض من قبل المؤسسة التقليدية. في المقابل، دافع تيار كبير عن التجديد، معتبراً إياه جزءاً من التاريخ، وتجاوز التراث الشعري.
إسهامات الشعر العربي في عصر التجديد
من أبرز الإسهامات التي شهدها الشعر العربي في هذه المرحلة:
- استعادة توهج وحيوية الشعر العربي، الذي بدأ يخفت في المرحلة التي سبقت التجديد.
- إحياء الروح الكلاسيكية الأصيلة في الشعر العربي.
- إنهاء السطحية والتكلف اللذين سادا في الشعر العربي في العصور السابقة.
- استبدال الموضوعات التقليدية بمواضيع جديدة مرتبطة بالحياة المعاصرة.
- إدخال مفهوم الرومانسية كخيار شعري كبير.
أوجه التجديد في القصيدة العربية
لقد أحدث التجديد تحولاً جذرياً في البنية الشعرية، التي كانت سائدة في عصر ما قبل التجديد.
جسد التجديد نضال الأدباء والمبدعين نحو تشكيل طرق جديدة في التعبير، والاستجابة للمطالب الحضارية وتلبية الاحتياجات الجمالية.
التجديد الشكلي
يتجلى التجديد في شكل الشعر العربي في الإيقاع، الذي يعد من أبرز مظاهر التجديد في القصيدة العربية، بسبب خروج القصيدة عن إطار البيت والقافية الواحدة.
يشكل الإيقاع في القصيدة العربية أمرًا مهمًا، فالألفاظ لا تنحصر قيمتها في مدلولاتها فقط، ولكنها تتميز بحضور ذاتي من خلال أبيات القصيدة.
التجديد في المضمون
يتجلى التجديد في مضمون الشعر العربي في البنية اللغوية، التي أصبحت تعتمد البساطة في الألفاظ، وغالباً ما تعتمد على تفاصيل الحياة المختلفة، وتحمل بعض الغموض والرمزية.
ألغى التجديد جميع الحدود بين الأجناس الأدبية، التي كانت تفصل بينها الكثير من الحدود في الشعر التقليدي.
أبرز أعلام التجديد في الشعر
- محمود درويش: أحد شعراء مدرسة التجديد، تميز شعره بحمولة كبيرة من الأفكار والرؤى.
- أدونيس: ابتكر لغة شعرية خاصة به، تعتمد على توظيف اللغة على نحو فيه قدر كبير من الصور الفنية الإبداعية والتجريبية.
- يوسف الخال: اتسمت تجربته الشعرية بالتغيير الفكري والوعي.
- نازك الملائكة: من رواد الشعر الحر، وأول من وضع قصيدة بطريقة الشعر الحر عام 1947م (الكوليرا).
- بدر شاكر السياب: من أوائل الشعراء الذين نظموا الشعر الحر، وربط التجديد بالمكان.
الجدل حول التجديد في القصيدة العربية
ظهر في الأدب العربي اتجاهان متعارضان بخصوص التجديد، الأول مؤيد كامل لها، والآخر رافض لها جملة وتفصيلا، ولكل منهما مبرراته الخاصة به، وهناك اتجاه صغير ثالث توسط بين هذين الاتجاهين لا يرفض التجديد ولا يقبلها بالكامل.
وجهات نظر المؤيدين للتجديد
يرى أصحاب هذا الرأي أن التجديد تيار لتحرير الإنسان، وموقف مضاد للشمولية الفكرية. من أهم مبررات هذا الاتجاه:
- تتحدى الأشكال التقليدية في الفن والفكر.
- تتميز بتنوعها الكبير في المناهج والتوجهات.
- تتسم بالعقلانية وتقاطع كل ما هو تقليدي.
- تجدد الأفكار.
- تمتلك الرؤية للعالم والحياة.
آراء المعارضين للتجديد
يرفض أصحاب هذا الرأي فكرة التجديد فكرياً وفنياً، ويرون أنها تنطوي على توجهات فكرية لتقليل من الثوابت والقيم والموروثات، وتنطوي على الكثير من الغموض وتحطيم للثوابت اللغوية والفنية في القصيدة العربية. من أهم مبرراتهم:
- هي انفصال من الناحية الواقعية عن معناها الموضح في المعاجم .
- هي تيار تحرري من كل قيمة.
- ليس فيها قيم أو معايير أو ضوابط.
- ليست عربية الأصل، بل هي غربية.
- أجرت تغييرًا خارجيًّا للشعر، مما أضفى كثيرًا من الغموض عليه.
- هي وسيلة علمانية وتنكر للدين ولقيمه الخالدة.
نماذج من الشعر العربي الجديد
قالت نازك الملائكة في قصيدة البحث عن السعادة:
قد بَحثنا عن السعادة لكنما
عَثرنا بِكوخها المسحور
أبدًا نسألُ الليالي عنها
وهي سرّ الدنيا ولغز الدّهور
طالما حدّثوا فؤادي عنها
في ليالي طفولتي وصبايا
طالما صوّروا لعينيّ لقياها
وألقوا أنباءها في روايا
قال بدر شاكر السياب في قصيدته أنشودة المطر:
عيناكِ غابتا نخيلٍ ساعةَ السَّحر
أو شُرفتانِ راح ينأى عنهما القمر
عيناكِ حين تبسِمان تورِقُ الكُروم
وترقصُ الأضواء كالأقمارِ في نهر
يرجُّه المجداف وهنًا ساعةَ السَّحر
كأنما تنبضُ في غوريهما النّجوم
قال محمود درويش في قصيدته موهبة الأمل:
كلما فكَّر بالأمل أنكه التعب والملل،
واخترع سرابًا، وقال: بأيّ ميزانٍ أَزِنُ
سرابي؟ بحث في أدراجه عمَّن كأنه
قبل هذا السؤال، فلم يعثر على مُسَوَّداتٍ
كان فيها القلبُ سريعَ العطب والطيش
