مقدمة عن مدينة عكا
تقع مدينة عكا في الجزء الشمالي من السهل الساحلي لفلسطين. تحتضن ميناءً هامًا في خليج حيفا على ساحل البحر الأبيض المتوسط الشرقي. يعود تاريخ هذه المدينة إلى العصر البرونزي الأوسط، وقد شهدت المدينة غزوات وتدميرات متعددة على مر العصور، لكنها ظلت صامدة. يقطنها خليط من السكان ينتمون إلى مختلف الأديان، بما في ذلك المسلمون والمسيحيون واليهود والدروز. تتميز عكا أيضًا بوجود البهائيين، وتعتبر مكانًا مقدسًا لهم يقصدونه للحج كل عام. تبلغ مساحة المدينة حوالي 13.533 كيلومتر مربع، ويقدر عدد سكانها بنحو 45,603 نسمة وفقًا لإحصائيات عام 2019.
رحلة عبر تاريخ عكا
شهدت مدينة عكا مرور العديد من الغزاة على مر تاريخها الطويل، تاركين بصماتهم على المدينة. نستعرض فيما يلي أهم المحطات التاريخية التي مرت بها عكا.
نشأة مدينة عكا
تأسست مدينة عكا في الألف الثالثة قبل الميلاد على يد قبيلة كنعانية عربية عرفت بالجرجاشيين. جعل الجرجاشيون من عكا مركزًا تجاريًا حيويًا، وأطلقوا عليها اسم “عكو” الذي يعني الرمل الحار.
في عام 1479 قبل الميلاد، سقطت عكا في أيدي الجيوش المصرية بقيادة تحتمس الثالث. ثم استولى الفرعون سيتي الأول عليها في عام 1324 قبل الميلاد. استمرت عكا مدينة كنعانية عربية حتى خضعت للملك الآشوري شلمناصر الخامس في القرن الثامن قبل الميلاد.
عندما غزا الفرس الأراضي السورية في القرن السادس قبل الميلاد، أصبحت عكا جزءًا من الإمبراطورية الفارسية الكبرى. بقيت تحت الحكم الفارسي حتى بدأت حملات الإسكندر الأكبر المقدوني في الثلث الأخير من القرن الرابع قبل الميلاد، لتصبح جزءًا من إمبراطوريته.
عكا في ظل حكم البطالمة والسلوقيين
بعد وفاة الإسكندر الأكبر، ورث البطالمة حكم فلسطين، وأصبحت عكا قاعدة رئيسية لهم. قاموا بتغيير اسمها إلى “بتولمايس” في عهد الملك بطلموس الثاني (285-247 قبل الميلاد).
خضعت مدينة عكا لمعظم مدن فلسطين منذ أوائل القرن الثاني قبل الميلاد للسلوقيين، خلفاء الإسكندر في الأقطار الآسيوية. وفي عام 69 قبل الميلاد، احتل جيش الملك الأرمني تيغرانس المدينة بعد اجتياح سوريا بأكملها.
عكا في العصر الروماني
خلال الاجتياح الروماني لسوريا، فتح القائد بومبي مدينة عكا في عام 64 قبل الميلاد. زارها يوليوس قيصر في عام 47 قبل الميلاد، وأصبحت جزءًا مما أسماه الرومان بالولاية السورية. اشتهرت عكا في العصر الروماني بنسج الحرير، وصبغة الأرجوان، وأصبحت مركزًا هامًا لتجارة السمك.
عكا في الحقبة الإسلامية
بعد انقسام الإمبراطورية الرومانية في عام 395 ميلادي إلى شرقية وغربية، أصبحت عكا جزءًا من الإمبراطورية الشرقية (البيزنطية). استمرت تحت الحكم البيزنطي حتى القرن السابع الميلادي، عندما فتحها شرحبيل بن حسنة في عام 636 ميلادي خلال الفتوحات الإسلامية.
عندما أصبح معاوية بن أبي سفيان واليًا على سوريا في عام 640 ميلادي، قرر أن الجيوش البرية وحدها لا تكفي لحماية المناطق الساحلية، فعمل على إنشاء أسطول بحري. أصبحت عكا مركزًا لصناعة السفن بعد دار الصناعة في الإسكندرية، وكانت أول ميناء عربي شن منه المسلمون أولى غزواتهم في البحر المتوسط على جزيرة قبرص في عام 654 ميلادي.
عكا في زمن الطولونيين
استولى أحمد بن طولون على سوريا في عام 877 ميلادي، وقام بتحصين عكا وأنشأ فيها قاعدة بحرية. بنى برجًا على سورها المزدوج ومرفأ لها في الماء. في منتصف القرن العاشر الميلادي، أصبحت عكا كباقي البلاد السورية تحت حكم الأخشيديين، حتى قضى الفاطميون على الأخشيديين ودخلوا عاصمتهم الفسطاطا عام 969 ميلادي، لتصبح سوريا تحت سيطرتهم. ومنذ ذلك الوقت، أصبحت عكا تحت سيطرة الفاطميين حتى نهاية القرن الحادي عشر الميلادي.
عكا خلال فترة الانتداب البريطاني
فرض البريطانيون الانتداب على عكا في الرابع من فبراير عام 1918. شهدت المدينة مظاهرات وثورات وانتفاضات عديدة من قبل أهلها؛ لرفض محاولات الإنجليز لإدخال اليهود إلى فلسطين وجعلها دولة يهودية قومية. أدت هذه الثورات إلى تشريد العديد من سكان عكا.
عكا في فترة النكبة
بعد دخول الصهاينة إلى فلسطين بموجب وعد بلفور؛ لإقامة دولة قومية لليهود في فلسطين، ارتكبوا العديد من المجازر بحق أهل عكا بهدف إجبارهم على الرحيل. تأسست فيها شركتان متخصصتان بإقامة وإدارة البيوت لليهود، مما أدى إلى سيطرتهم على غالبية المنازل. ولا تزال عكا تحت الاحتلال الإسرائيلي حتى اليوم.