مقدمة حول المحبة والهيام
تتكرر كلمتا المحبة والهيام في مجالات عديدة، سواء في الأعمال الدرامية، أو النصوص الأدبية، أو الأغاني، أو القصص، أو حتى في منشورات وسائل التواصل الاجتماعي. هذه الكلمات تعبر عن أحاسيس عميقة، ولكن هل هي دائمًا تعكس مشاعر حقيقية للمحبة والهيام، أم أنها مجرد نزوات ورغبات نفسية عابرة، أو ربما مزيج من الاثنين معًا؟
لقد أصبحت المحبة منصة يرتادها البعض، ويتزايد عدد روادها بتزايد أغراضهم وأهدافهم المتنوعة. عندما يعتلي هذه المنصة التهور والاندفاع، يجب أن نرثي لحال ضحايا المشاعر الزائفة الذين يتم التغرير بهم ويقعون في فخ المتاجرة بالأهواء والشهوات والملذات العابرة والمصالح الشخصية الآنية. في هذه الحالة، تنحدر قيمة الإنسان لتقتصر على بضعة عبارات جوفاء يلقيها اللسان بلا تفكير، أو بعض الأحرف التي تُكتب في سجل مليء بالشكوك والقلق والتوتر والتخفي والتمويه. فالشخص الذي يعلم صواب فعله لا يتردد في إعلانه والافتخار به، أما الذي يتخفى فهو يحمل في نفسه نوايا مريبة يخشى الكشف عنها، لأنه يعلم أن الإفصاح عنها سيتبعه تبعات ثقيلة لا يقوى على تحملها. هناك عوامل تمهد الطريق لهذه الأمور، مثل الثقافة والتربية والاضطرابات في جوانب معينة من الحياة والرغبة في إثبات الذات.
المحبة قيمة عظيمة وروابط تتناغم مع الفطرة السليمة، ولكن يجب أن تُبنى هذه الروابط في إطار من المسؤولية، لا في شرك الأهواء الذي يقود إلى الرذيلة وما يتبعها من عواقب وخيمة. فكم من علاقات ود ومحبة قُطعت أوصالها، وكم من نيران الفتنة اشتعلت وأظهرت دخانها الكثيف، كل ذلك بسبب هيمنة الأهواء التي حرفت صاحبها عن مساره الصحيح، فاكتمل المشهد وأُسدل الستار، تاركًا وراءه بذور الشقاء التي ستنبت حتمًا لأنها أُلقيت في تربة خصبة ومجهزة خصيصًا لنموها.
أثر الانقياد وراء الرغبات في سياق الحب
إن الانجراف وراء الأهواء والرغبات في سياق المحبة يحمل أضرارًا جسيمة، منها إضاعة الدين والوقت، وإفساد العلاقات، وتصاعد التوتر والنزاعات والخلافات والهجر. كل هذه المحطات النارية تقذف بشررها على من يعبث بكلمات ذات مكانة مقدسة، كان في غنى عنها لو أنه اختار لنفسه طريقًا واضحًا ومنيرًا في الحياة، طريقًا قوامه الحكمة والنور والوضوح، ومحبة حقيقية سامية، تسير بخطى واثقة وجميلة على شواطئ الأمان.
المحبة قيمة عظيمة وروابط تنسجم مع الفطرة السوية، ولكن يجب أن تُبنى هذه الروابط في إطار من المسؤولية. عنوان هذه العلاقة هو المحبة، وهمس المشاعر والإفصاح عنها بقيم المحبة الأصيلة النبيلة، في ظلال سحائب الود والوئام والمسؤولية، تغمرها قيم العفة والطهر والنقاء. هكذا يجب أن نفهم رسالة المحبة والهيام، فالقلوب البيضاء هي صفحاتها، وصدق المشاعر هو حبرها، واللسان هو قلمها. قال تعالى:
“وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا” (الإسراء: 32).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن” (صحيح البخاري).