المحتويات
نظرة عامة على الآية وسياقها
عندما أمر الله سبحانه وتعالى النبيين موسى وهارون بالتوجه إلى فرعون، قال لهما كما ورد في القرآن الكريم: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى* فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى). استجاب النبيان للأمر الإلهي مباشرة، لكنهما عبرا عن خشيتهما بقولهما: (قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى).
هذا القول يعكس استعدادهما لتنفيذ الأمر الإلهي والتحدث بلطف مع فرعون، ولكنهما يبينان المخاوف المتعلقة برد فعل فرعون المتوقع. فهما يخشيان أن يبادر فرعون بإيذائهما أو القضاء عليهما قبل أن يتمكنا من تبليغ الرسالة، أو أن يتجاوز حدوده في الكلام عن الله سبحانه وتعالى.
إذًا، يمثل هذا الدعاء تعبيرًا عن التوكل على الله مع الأخذ بالأسباب، وطلبًا للعون والتوفيق في مهمة صعبة.
تحليل تفصيلي للآية الكريمة
لنتأمل الآن في بعض جوانب هذه الآية الكريمة:
(قَالَا رَبَّنَا): نسبة القول إلى النبيين معًا، مع أن الظاهر أن المتكلم به أولًا هو النبي موسى عليه السلام، قد يكون من باب التغليب، أي إبراز أصالة كل منهما في القول والفعل، أو لأن هارون رضي الله عنه قد ردد نفس الكلام بعد لقائهما، محاكياً ما قاله موسى عند تلقيه الأمر من الله.
ويحتمل أيضًا أن يكون الله تعالى قد خاطب موسى بهذا الأمر عند طور سيناء، فأجاب موسى عن نفسه وعن هارون، فنسب القول إليهما معًا.
(إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا): كلمة “يفرط” تحمل معنيين محتملين: الأول، الإفراط في الأذية والتعذيب. والثاني، الاستعجال في العقوبة دون تروٍ أو تفكير. فالفارط هو المتقدم والسابق، وكلاهما يصلح لتفسير سبب خوفهما من المبادرة بالعنف قبل عرض المعجزات أو الاستماع إلى دعوتهما.
وقد ورد في الحديث الشريف: (إنِّي فَرَطُكُمْ علَى الحَوْضِ، مَن مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ، ومَن شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أبَدًا)، والفرط هنا هو المتقدم على الوُرَّاد لتجهيز الحياض، أي أن النبي صلى الله عليه وسلم سابق لأمته إلى الحوض.
(أَوْ أَنْ يَطْغَى): هذا الجزء من الآية يشير إلى الخوف من أن يتجاوز فرعون كل الحدود في الكفر والتعدي على الله سبحانه وتعالى، وأن يقول في حق الله ما لا يليق بجلاله وعظمته. وهذا التعبير العام والرمزي فيه نوع من الأدب مع الله عز وجل، حيث لم يذكرا تفاصيل ما قد يقوله فرعون.
هل يتنافى الخوف مع مقام النبوة؟
الخوف الذي أبداه موسى وهارون ليس خوفًا نابعًا من ضعف الإيمان، بل هو خوف على الرسالة نفسها. إنهما يخشيان أنه إذا بادر فرعون بإيذائهما، فإنهما لن يتمكنا من أداء المهمة التي كلفهما الله بها، وتبليغ رسالته إلى الناس.
لا يوجد أي تعارض بين الخوف الطبيعي والصبر عند وقوع البلاء. فالأنبياء والصالحون يخافون المرض والبلاء خوفًا فطريًا، ولا يتمنون لقاء العدو، ويسألون الله العافية من كل سوء. ولكن إذا نزل بهم الابتلاء، فإنهم يستقبلونه بصدر رحب ويصبرون عليه دون تذمر.
والخلاصة أن هذا الخوف هو خوف مشروع، ويدخل في باب الأخذ بالأسباب والتوكل على الله، ولا يقدح في مقام النبوة أو الإيمان.
المصادر
- سورة طه، الآيات 43-45.
- صحيح البخاري، حديث رقم 6583.