جدول المحتويات:
مقدمة
حثّت الشريعة الإسلامية السمحة على فعل الخيرات والأعمال التي ترضي الله عز وجل. نجد في القرآن الكريم آيات عديدة تحث على الإتيان بالأعمال الصالحة، وتبشر العاملين بها بالجزاء الحسن والثواب العظيم. تتناول هذه الآيات جوانب مختلفة من الخير، بعضها يخص أعمالًا معينة، والآخر يشمل جميع الأعمال التي توافق الشرع. من بين هذه الآيات الكريمة، قوله تعالى: (مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ) تكررت هذه الآية مرتين في كتاب الله، أولها في سورة فصلت، الآية السادسة والأربعون، والأخرى في سورة الجاثية، الآية الخامسة عشرة.
فهم الأعمال الصالحة
العمل الصالح هو كل فعل يوافق شرع الله، وهو القيام بما أمر الله به وتجنب ما نهى عنه. يشمل العمل الصالح أفعال القلوب والجوارح. من أعمال القلوب: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، والإخلاص والتوكل وحب الله ورسوله، وغير ذلك من أعمال القلوب. أما أعمال الجوارح فتشمل: الصلاة والزكاة والصيام والحج، وبر الوالدين وصلة الأرحام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإحسان إلى الخلق، وغير ذلك من الأعمال الظاهرة.
دلالة “فلنفسه”
تحمل الآية الكريمة دلالات عظيمة، يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
عائد الجزاء على الفاعل
إن الإقبال على فعل الطاعات، والامتثال لأوامر الله واجتناب نواهيه، يعود بالخير على المسلم نفسه. فالله سبحانه وتعالى يجزي عبده على أعماله الصالحة، ويضاعف له الثواب والأجر. فالعمل الصالح ليس مجرد أداء واجب، بل هو استثمار للمسلم في حياته وبعد مماته.
الله غني عن العالمين
تبين الآية الكريمة أن المنفعة الكاملة من العمل الصالح تعود على العامل نفسه. وهذا يدل على أن الله تعالى غني عن عباده وعن أعمالهم، فلا تزيده طاعة الطائعين شيئاً، ولا تنقصه معصية العاصين شيئاً. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) .
الحكمة الإلهية
يبين الله تعالى لعباده الحكمة من تكليفهم بالأعمال الصالحة، وهي إعطاؤهم الفرصة لتحصيل الأجر والثواب وتجنب العذاب. فالله تعالى لم يكلف عباده بما فيه مشقة عليهم، بل كلفهم بما فيه صلاحهم وفلاحهم في الدنيا والآخرة.
نظرات لغوية في الآية
فيما يلي بعض الملاحظات اللغوية في الآية الكريمة:
- الشرط: قول الله تعالى: (مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ) هي جملة شرطية تتكون من اسم الشرط “مَنْ”، وفعل الشرط “عمل”، وجواب الشرط “فلنفسه”.
- الحذف: يلاحظ الحذف في موضعين في الآية الكريمة: الأول قبل كلمة “صالحاً”، والتقدير “من عمل عملاً صالحاً”. والثاني بعد كلمة “فلنفسه”، والتقدير “فلنفسه الجزاء”.
تحليل نحوي
- مَنْ: اسم شرط مبني على السكون في محل رفع مبتدأ.
- عَمِلَ: فعل ماض مبني على الفتح، والفاعل ضمير مستتر تقديره “هو”. والجملة الفعلية في محل رفع خبر للمبتدأ “مَنْ”.
- صَالِحًا: مفعول به منصوب بالفتح.
- فَلِنَفْسِهِ: الفاء رابطة لجواب الشرط. اللام حرف جر لا محل له من الإعراب. “نفس” اسم مجرور باللام وعلامة جره الكسرة الظاهرة على آخره، وهو مضاف، والهاء ضمير متصل مبني في محل جر مضاف إليه.
المصادر
- سورة فصلت، آية: 46
- سورة الجاثية، آية: 15
- الطبري، جامع البيان في تفسير القرآن.
- الألوسي، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني.
- القرطبي، الجامع لأحكام القرآن.
- الماتريدي، تأويلات أهل السنة.
- درويش، إعراب القرآن وبيانه.
- علوان وآخرون، إعراب القرآن الكريم.