تأملات في سورة القلم

استكشاف معاني سورة القلم: قسم إلهي بمنزلة النبي، ضلال قريش وعقوبتهم، قصة أصحاب البستان، مصير المتقين، تفنيد ادعاءات المشركين، عذاب الكافرين يوم القيامة، وتثبيت النبي محمد.

قسم إلهي بشأن منزلة النبي

تستهل سورة القلم ببيان عظمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ومكانته الرفيعة عند الله سبحانه وتعالى، وذلك من خلال القسم الجليل.

قال الله -تعالى-:(ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ)[٢]

تبدأ السورة بحرف “ن” وهو من الحروف المقطعة التي اختلف المفسرون في تأويلها. قيل إنه يشير إلى الحوت الذي ابتلع يونس عليه السلام، وقيل إنه الدواة. ويأتي القسم بالقلم، الذي قيل إنه القلم الذي يكتب به مصائر الخلائق، أو الأقلام التي يستعملها الناس في حياتهم.

قال الله -تعالى-:(ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ)[٣]

هذه الآية هي جواب القسم، وهي تنفي عن النبي صلى الله عليه وسلم صفة الجنون التي اتهمه بها كفار قريش. فقد كان الكفار يطلقون عليه اتهامات باطلة كالشعر والسحر، فجاءت الآية لتبرئه وتؤكد سلامة عقله.

قال الله -تعالى-:(وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ)[٤]

تبشر هذه الآية النبي صلى الله عليه وسلم بأجر عظيم ينتظره عند الله، وهو أجر غير مقطوع ولا منقوص، جزاء صبره على أذى قومه وتحمله مشاق الدعوة.

قال تعالى:(وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)[٥]

توضح هذه الآية أن خلق النبي صلى الله عليه وسلم كان عظيماً وكاملاً، وهو سبب الأجر العظيم الذي وعد به. فقد كان صلى الله عليه وسلم يتمتع بأعلى درجات الأدب والحكمة والرحمة.

انحراف قريش وجزائهم

تنتقل السورة الكريمة للحديث عن ضلال قريش وتحذيرهم من سوء عاقبة أعمالهم.

قال الله -تعالى-:(فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ)[٧]

تبين هذه الآية أن الحق سيظهر جلياً، وأن الناس سيعرفون أن محمداً صلى الله عليه وسلم هو الكامل، وأن المشركين هم الضالون.

قال الله -تعالى-:(بِأَيِّيكُمُ الْمَفْتُونُ)[٨]

تزيد هذه الآية في توبيخ المشركين وتوضيح أنهم هم الذين فتنوا الناس وأضلوهم عن طريق الحق، وأنهم سيحاسبون على ذلك.

قال الله -تعالى-:(إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)[٩]

في هذه الآية وعيد للمشركين وبشارة للمهتدين، مع تأكيد علم الله بمن يستحق الهداية ومن يستحق الضلال.

قال الله -تعالى-:(فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ)[١٠]

يوجه الله نبيه بعدم الاستجابة لمطالب قريش التي تخالف الحق، حتى لو كان ذلك بهدف إسلامهم، لأنهم لا يريدون إلا موافقة أهوائهم الضالة.

قال الله -تعالى-:(وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ)[١١]

تكشف هذه الآية عن رغبة الكافرين في أن يتساهل النبي صلى الله عليه وسلم معهم ولو بالسكوت عن بعض ضلالاتهم، وهو توجيه لكل داعية إلى الله بأن يصدع بالحق ولا يتهاون.

قال الله -تعالى-:(وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ)[١٢]

تحذر هذه الآية من تصديق كثير الحلف، لأن كثرة الحلف دليل على الكذب ودناءة النفس.

قال الله -تعالى-:(هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ)[١٣]

تستمر الآيات في التحذير من الذي يعيب الناس ويتساهل في غيبتهم ويمشي بالنميمة بين الناس ليفسد بينهم.

قال الله -تعالى-:(مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ)[١٤]

تحذر الآية من الممتنع عن أداء الواجبات الدينية والمتعدي على حقوق الناس.

قال الله -تعالى-:(عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ)[١٥]

تحذر الآية من مرافقة المتصف بالغلظة والبعد عن الحق.

قال الله -تعالى-:(أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ)[١٦]

تبين الآية أن المال والبنين قد يكونان سبباً للطغيان والاعتداء، وقد نزلت في الوليد بن المغيرة لاعتداده بماله وولده.

قال الله -تعالى-:(إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ).[١٧]

كان الوليد بن المغيرة يصف القرآن بأنه أساطير الأولين، فنزلت الآية للتحذير من فعله.

قال تعالى:(سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ).[١٨]

توعدت الآيات بالعذاب في الوجه وهو أظهر الأماكن، لمن اتصف بالأخلاق السيئة الواردة في الآيات.

حكاية أصحاب البستان

تسرد السورة قصة أصحاب البستان كعبرة وعظة.

قال الله -تعالى-:(إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ)[٢٠]

في هذه الآية إخبار عن مشركي مكة الذين ابتلاهم الله بالقحط، كما ابتلى أصحاب الجنة الذين امتنعوا عن إعطاء المساكين حقهم. فقد أنعم الله عليهم ببستان فيه ثمر كثير، ورثوه عن أبيهم الذي كان يعطي المساكين حقهم، فامتنعوا حين ورثوه.

قال الله -تعالى-:(وَلا يَسْتَثْنُونَ)[٢١]

عزم أصحاب الجنة على أن لا يجعلوا أي نصيب للمساكين، غير مترددين.

قال الله -تعالى-:(فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ)[٢٢]

عوقب أصحاب الجنة بنار أحرقت بستانهم بعد أن عقدوا النية على منع المساكين.

قال الله -تعالى-:(فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ)[٢٣]

أصبح بستانهم رماداً بسبب تعديهم على حق المساكين.

قال الله -تعالى-:(فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ)[٢٤]

نادى أصحاب الجنة بعضهم في الصباح ليذهبوا لتنفيذ ما عزموا عليه.

قال الله -تعالى-:(أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ)[٢٥]

ذهبوا مؤكدين نيتهم في حصد الثمار قبل قدوم المساكين.

قال الله -تعالى-:(فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ)[٢٦]

كانوا يتهامسون لكي لا يراهم الفقراء والمساكين.

قال الله -تعالى-:(أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ)[٢٧]

أكد أصحاب الجنة رغبتهم في منع حق الله.

قال الله -تعالى-:(وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ)[٢٨]

ظنوا أنهم قادرون على منع حق الفقراء.

قال الله -تعالى-:(فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ)[٢٩]

ظنوا أنهم أضلوا طريقهم لما رأوا بستانهم محترقاً.

قال الله -تعالى-:(بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ)[٣٠]

أدركوا أن عذاب الله حل ببستانهم.

قال الله -تعالى-:(قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ)[٣١]

قال أكثرهم حكمةً بأن يستغفروا الله وينزهوه.

قال الله -تعالى-:(قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ).[٣٢]

أدركوا خطأهم وأعلنوا استغفارهم.

قال الله -تعالى-:(فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ)[٣٣]

بدأوا بمعاتبة بعضهم على نيتهم في منع الزكاة.

قال الله -تعالى-:(قالُوا يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ)[٣٤]

ندموا ندماً شديداً على طغيانهم.

قال الله -تعالى-:(عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ* كَذَلِكَ الْعَذَابُ ولَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)[٣٥]

دعوا الله أن يرزقهم جنة أخرى، مدركين أن شكر النعم سبب لدوامها وزيادتها.

مآل المتقين

تبين سورة القلم مصير المتقين.

قال الله -تعالى-:(إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ).[٣٦]

بعد الحديث عن الكفار ومصيرهم، تتحدث الآيات عن مصير المؤمنين المتقين، فلهم جنات النعيم عند ربهم.

إبطال ادعاءات المشركين

تفند الآيات مزاعم المشركين وترد عليها.

قال الله -تعالى-:(أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ)[٣٩]

تنفي الآيات أن يكون مصير المؤمنين الخاضعين لله كمصير الكافرين المستكبرين.

قال الله -تعالى-:(ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)[٤٠]

توجه الآية إلى الناس بعدم المساواة بين المطيع والعاصي.

قال الله -تعالى-:(أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ* إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ)[٤١]

في هذه الآية استنكار على المشركين لتسويتهم الكافر بالمؤمن.

قال الله -تعالى-:(أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ)[٤٢]

تستنكر الآيات تسوية المسلمين بالكافرين.

قال الله -تعالى-:(سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ)[٤٣]

توجيه للرسول بسؤال المشركين عن المتكلم باسمهم يوم القيامة.

قال الله -تعالى-:(أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ)[٤٤]

دعوة للمشركين ليأتوا بأصنامهم لتشهد لهم.

عقوبة الجاحدين يوم القيامة

تصف الآيات عذاب الكافرين يوم القيامة.

قال الله -تعالى-:(يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ)[٤٦]

تحدي للمشركين بالمجيء بشركائهم، ودعوتهم إلى السجود فلا يستطيعون.

قال الله -تعالى-:(خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ)[٤٧]

حال المشركين يوم القيامة مليئة بالذل.

قال الله -تعالى-:(فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ)[٤٨]

تهديد للكافرين بتمهيدهم للعذاب.

قال الله -تعالى-:(وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ)[٤٩]

إعطاء الظالمين مزيداً من الوقت ليزدادوا في المعاصي.

قال الله -تعالى-:(أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ)[٥٠]

استنكار لعدم طلب النبي أجراً على دعوته.

قال الله -تعالى-:(أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ)[٥١]

استفهام استنكاري عن امتلاكهم علم الغيب ليكتبوا ما يريدون.

تثبيت النبي محمد على الحق

تختتم الآيات بتصبير النبي وتبشيره.

قال الله -تعالى-:(فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ)[٥٣]

تثبيت لفؤاد النبي وأمره بالصبر، وذكر قصة يونس عليه السلام.

قال الله -تعالى-:(لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ)[٥٤]

إنعام الله على يونس بقبول التوبة.

قال الله -تعالى-:(فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ)[٥٥]

اصطفاء الله ليونس ورده إلى قومه.

قال الله -تعالى-:(وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ)[٥٦]

بيان شدة عداوة الكافرين للنبي.

قال الله -تعالى-:(وَما هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ)[٥٧]

القرآن الكريم كتاب هدى وإرشاد للعالمين.

Total
0
Shares
المقال السابق

شرح مبسط لسورة القارعة للأطفال

المقال التالي

استكشاف معاني سورة القلم للأجيال الناشئة

مقالات مشابهة

الزواج بأكثر من واحدة: رؤية إسلامية وحِكمها

نظرة شاملة على الزواج بأكثر من امرأة في الإسلام، يشمل ذلك التعريف، الأدلة الشرعية، الشروط والأحكام المرتبطة به، بالإضافة إلى استعراض للحكمة الكامنة وراء هذا التشريع.
إقرأ المزيد