مدخل إلى مفهوم الخشية
الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، الحمد لله ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحث على تقوى الله عز وجل
يا عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل، فإنها وصية الله للأولين والآخرين. اتقوا الله حق التقوى، واستمسكوا بالعروة الوثقى، واعلموا أن التقوى هي خير زاد ليوم المعاد. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).
القسم الأول: أهمية الخوف من الله في حياة المسلم
إخوة الإيمان، إن التفكر في أحوال الكثير من الناس يكشف لنا عن ضعف الخوف من الله في قلوبهم، وهذا له تبعات خطيرة. فالقلب الذي لا يخاف الله هو قلب قاسٍ لا يتأثر بالمواعظ ولا يلين لذكر الله. إن الخوف من الله هو الحافز الأكبر للتوبة النصوح، والدافع إلى الاستغفار، والإقبال على الطاعات، والابتعاد عن المعاصي والمنكرات.
في هذا الزمان، نرى الكثيرين لا تتأثر مشاعرهم عند سماع آيات القرآن أو الحديث عن عذاب الله، والسبب هو أنهم لم يقدروا الله حق قدره. لو أنهم عظموا الله حق التعظيم، لخضعت قلوبهم وأجسادهم له، ولكن غفلت القلوب وتبلدت الأحاسيس. قال تعالى: (مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ).
لقد كان السلف الصالح يتأثرون بالآيات القرآنية تأثراً عظيماً، حتى إن بعضهم كان يمرض بسببها. عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قرأ قوله تعالى: (وَإِن مِنكُم إِلّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتمًا مَقضِيًّا) يبكي ويقول: “رب هل أنا ممن تنجي؟ أم ممن تذر فيها جيثياً؟”. وعبد الله بن رواحة رضي الله عنه كان يبكي بكاءً شديداً عند سماع هذه الآية.
لقد أثنى الله تعالى على ملائكته الكرام بصفة الخوف منه، فقال تعالى: (وَلِلَّهِ يَسجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الأَرضِ مِن دابَّةٍ وَالمَلائِكَةُ وَهُم لا يَستَكبِرونَ* يَخافونَ رَبَّهُم مِن فَوقِهِم وَيَفعَلونَ ما يُؤمَرونَ). فالخوف من الله هو الرهبة من عذابه وحسابه، وهو مقام عظيم من مقامات العبودية، ومقتضى من مقتضيات الإيمان بالله. يقول ابن القيم رحمه الله: “فكلَّما كان العبد باللَّه أعلَم كان له أخوفَ”، ونقل عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قوله:”كفى بخشية اللَّه علمًا”.
من أمن عقاب الله في الدنيا ولم يخف مقامه، فإنه سيكون من الفزعين الخائفين يوم القيامة. ومن خاف مقام ربه في الدنيا، فإنه سيكون من الآمنين يوم القيامة. يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل: (وعزَّتي لا أجمَعُ على عبدي خوفَيْنِ وأمنَيْنِ؛ إذا خافني في الدُّنيا أمَّنْتُه يومَ القيامةِ، وإذا أمِنَني في الدُّنيا أخَفْتُه يومَ القيامةِ).
يجب على المسلم أن يوازن بين الخوف والرجاء في علاقته مع الله. يقول ابن القيم رحمه الله: “القلب في سيره إلى الله عز وجل بمنزلة الطائر، فالمحبّة رأسه، والخوف والرجاء جناحاه، فمتى سلم الرأس والجناحان فالطَّير جيِّد الطّيران، ومتى قُطع الرأس مات الطائر، ومتى عدم الجناحان فهو عرضةٌ لكلِّ صائدٍ وكاسرٍ”. وتابع: “ولكنَّ السلف استحبُّوا أن يقوى في الصِّحة جناحُ الخوف على جناح الرجاء، وعند الخروج من الدُّنيا يقوى جناح الرجاء على جناح الخوف”.
القسم الثاني: نتائج الخوف من الله وآثاره
عباد الله، اعلموا أن الخوف من الله هو طريق الجنة. قال تعالى: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ). ومن علامات الخوف من الله مجاهدة النفس والابتعاد عن هواها. قال تعالى: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى).
اجعل شعارك يا عبد الله “إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ”. فوالله ما تُرك ذنب إلا بخوف من الله، ولا عُظِّمت حرماتٌ إلا بالخوف من الله. فخافوا على أنفسكم من مليككم وخالقكم، فإنه والله إن غضب لاشتد عقابه وعسر حسابه وعظم عذابه.
أكثروا من الصلاة والسلام على نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم، امتثالاً لقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا). لبيك اللهم صل على نبينا محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما بارك على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
الدعاء
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات وأعز المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، ربنا اغفر لنا ولآبائنا ولأمهاتنا ولذوي أرحامنا.
اللهم اجعلنا ممن يخشاك كأنه يراك، اللهم لا تجعلنا ممن استهان بحرماتك وكنت أهون الناظرين عليه.
اللهم بلغنا منازل الخائفين، واجعلنا لك خاشعين أوابين أواهين، لك ذكارين ولنعمك شكارين، اللهم أمنا يوم الخوف العظيم، اللهم أمنا يوم لا أمان إلا أمانك يا الله.
إلهنا ما خاب من دعاك ولا رُدَّ من رجاك، ولا شقي من طلب هداك.
اللهم أصلح أحوالنا، واهد شابنا، وقو عزائمنا.
عباد الله: (إِنَّ اللَّـهَ يَأمُرُ بِالعَدلِ وَالإِحسانِ وَإيتاءِ ذِي القُربى وَيَنهى عَنِ الفَحشاءِ وَالمُنكَرِ وَالبَغيِ يَعِظُكُم لَعَلَّكُم تَذَكَّرونَ). فاذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم وأقم الصلاة.
المصادر و المراجع
- سورة الأحزاب، آية:70-71
- سورة الحج، آية:74
- سورة مريم، آية:71
- ابن رجب الحنبلي،التخويف من النار والتعريف بحال دار البوار، صفحة 245. بتصرّف.
- سورة النحل، آية:49-50
- عبد الله بن صالح الفوزان،منحة العلام في شرح بلوغ المرام، صفحة 469. بتصرّف.
- ابن القيم،طريق الهجرتين وباب السعادتين، صفحة 615.
- رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:640، صحيح.
- ابن القيم،مدارج السالكين، صفحة 188.
- سورة الرحمن، آية:46
- سورة النازعات، آية:40-41
- سورة الأحزاب، آية:56
- سورة النحل، آية:90