مقدمة: سحر الشتاء
الشتاء، ذلك الفصل الذي يأتي حاملاً معه نسمات باردة وأجواء ساحرة. إنه وقت الدفء العائلي والجلوس حول المدفأة، ومشاهدة المطر وهو يتساقط بهدوء. فصل يدعونا للتأمل والغوص في أعماق الذات.
همسات ليالي الشتاء
على الرغم من الهدوء الذي يلف ليالي الشتاء، إلا أن القلب يضج بالذكريات والأحاسيس. قد تجد نفسك وحيدًا، محاطًا بأفكارك ومشاعرك، في غرفة مظلمة لا يقطع سكونها إلا صوت المطر المتساقط على نافذتك.
قطرات المطر تتناثر برقة، وكأنها تهمس في أذنيك رسائل تبعث الأمل. تذكر أن الحياة مستمرة، وأن الأمل لا يزال موجودًا. تأمل هذه القطرات وهي تنهمر، ودعها ترسم ابتسامة على وجهك، تنسيك همومك ولو للحظات.
ستشعر بالحنين إلى الماضي، إلى الطفولة، وإلى تلك السنوات التي مضت. ستشتاق إلى قلوب افتقدتها وأحاسيس نسيتها. أغمض عينيك واسترجع شريط أحلامك، وتذكر كل الصفات الجميلة التي نسيتها بسبب متاعب الحياة.
تذكر أنك كنت رائعًا ولا تزال كذلك. لا تترك نفسك ضحية للأحزان وظلم الآخرين. لا تظلم نفسك بأن تقيدها بالحزن. ما زال المطر ينهمر، ويشتد وقع صوته على نافذتك، ليوقظك من أحلامك ويشعرك بضيف يريد الدخول إلى غرفتك.
الشتاء و اللقاءات
سيأتي الشتاء.. ويلفظ الكون أنفاسّه المتسربلة بالأحلام.. وَتمسح الشمس بكُل لطف على جبَينْ الأرض، وَتخفض اشتعَالها.
سيأتي الشتاء.. محملاً باللقاءات.. وَالصّباحَات البيضاء.
سيأتي الشتاء.. وَيضجّ حضن أمّي بالدفء.. سيزداد وجهها نضارة وبهاء.
سيأتي الشتاء.. وَأكون برفقة حبيبي. سنحتّسي القهوة، ونتحدث عن أشياء لا تليق إلا بنا.. سنضحك حَتى البكاء.. في الشتاء.
لماذا نعشق الشتاء
أعشق الشتاء لأنه عندما يسقطُ المطر تُزال الأصباغ عن الوجوه فيعود كل شيء لأصله دون خداع أو تصنُّع.
أعشق الشتاء لأن المطرَ دائماً يشعرني بالطمأنينة فهناك رب لن يضيّعنا.
أعشق الشتاء لأن دفء مشاعر تلك الصديقة ينتقل إلى كفيّ عند مصافحتها فيدفئني.
أعشق الشتاء لأن تلك القوة التي تجعلك تتخلص من أغطيتك الدافئة في جنح الليل لتتحمل برودة المياه تشعرني بدفء حب الله.
أعشق الشتاء لأن احتساء شرابٍ دافئ في ليلةِ صقيع وسط أناس يحبوك وتحبهم كافٍ لأن يملأ الأرض دفئاً.
أعشق الشتاء لأنه دائماً يذكرني بأنّ من فقدَ الله وفقدَ الحب مسكين.
شتاء في الذاكرة
في شتاء ماض ٍ كنا معاً، قبل أن يبتلعنا الزحام انهمرت قطرات المطر على الطريق الرمادي، كأن تلك القطرات دموعي، وذاك الطريق وجهي.. شعرت ببرد قارص في تلك الأمسية الشتائية التي ابتلعت ريحها صوتي، لكن سمعت صوتاً بعث الدفء إلى قلبي إذ احتوى غربتي وضياع خطواتنا بين آلاف الخطوات.. كان ذاك صوت فيروز.
ما زال صوت فيروز يرافقني في أماسي الشتاء الطوال مثلما في الأصبح الندية، ويجعلني أبكي إذ تتنبأ العاشقة الكامنة في أعماق فيروز بما ستفعله الريح الباردة باسمها.
الشتاء و المشاعر الدفينة
الشتاء ليس مجرد فصل للبرد والصمت، بل هو وقت للكثافة والتأمل. إنه زمن تتحول فيه الكلمات إلى نسيج من الأحلام والانتظار. إنه فصل يحرك المشاعر التي احترقت خلال الصيف، وينعش الرغبة الخفية في الدفء والبحث عن شيء لا يستطيع الصيف منحه.
حين يدب الألم في النفس، نجد الشتاء يمنح الطبيعة مطراً ينهمر مع دموعنا، حتى تبدو الطبيعة وكأنها تقاسمنا الألم.
هدوء الشتاء و سكونه
أجمل ما في الشتاء.. ذلك السكون التام وكأن العالم يعيش في سبات أتأمل الشارع من نافذتي إنه خال.. وكأن الجميع نيام ما أجمل هذا السكون.. وهذا الهدوء.
تجمعات الشتاء الدافئة
أجمل ما في الشتاء.. عندما تجتمع العائلة معاً نتدفأ بموقد.. يتلألأ فيه الفحم ونقوم بحفلة شواء لبعض الثمار البرية نقشر.. ونتذوق.. نتسامر.. ونضحك ما أجمل هذا التجمع.. وما ألذ تلك الثمار.
تخيل نفسك تفتح النافذة وتستقبل تلك الرائحة الرائعة التي تغلف قلبك بالحياة، إنها رائحة المطر. اجعل من نافذة غرفتك نافذة لحياتك، واسمح لقطرات المطر بالدخول ليس فقط إلى غرفتك، بل إلى حياتك. تفاءل وعش محبًا لنفسك وصادقًا معها، كي تحب حياتك وتحياها بكل معانيها، وغلّف بالحب كل القلوب التي تراها.
ختام: لوعة الشتاء
عندما يترجم القلب لغة الأمطار ويرسم البرد دمعة على أهداب العين وترتجف الأحشاء قبل الأطراف فحتماً سنشعر بعدها بلوعة الشتاء.
