تأملات في الحديث الشريف: وصية النبي بالنساء

تحليل وتفسير لحديث النبي صلى الله عليه وسلم ‘استوصوا بالنساء خيراً’، مع التركيز على أهمية هذه الوصية في الإسلام وكيفية تطبيقها في حياتنا اليومية.

تمهيد

الحمد لله، نستعينه ونستغفره ونستهديه. ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:

التذكير بالتقوى

أيها الإخوة والأخوات، أذكركم ونفسي بتقوى الله عز وجل في السر والعلن، فهي وصية الله للأولين والآخرين. امتثلوا أوامر الله واجتنبوا نواهيه. قال تعالى:
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ
[آل عمران: 102].
وقال تعالى:
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا
[النساء: 1].

الجزء الأول من الحديث

أيها المؤمنون والمؤمنات، لقاؤنا اليوم يتناول دراسة وتأمل في حديث نبوي شريف له دلالات عظيمة، ألا وهو حديث: “استوصوا بالنساء خيراً”. إنها نصيحة قيّمة من النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، تذكرنا بأهمية المرأة في الإسلام ومكانتها الرفيعة.
ففي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
اسْتَوْصُوا بالنِّساءِ؛ فإنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِن ضِلَعٍ، وإنَّ أعْوَجَ شَيءٍ في الضِّلَعِ أعْلاهُ، فإنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وإنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أعْوَجَ، فاسْتَوْصُوا بالنِّساءِ
[رواه البخاري].
هذا الحديث يوجهنا إلى ضرورة التعامل الحسن مع النساء، سواء كن زوجات، أو أمهات، أو أخوات، أو بنات. إنها دعوة صريحة إلى احترام حقوقهن، وتقدير مشاعرهن، والرفق بهن. الوصية تشمل كل من له صلة بالمرأة، وتحمله مسؤولية رعايتها وحمايتها.

النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتفِ بالوصية، بل بين لنا طبيعة المرأة لتكون هذه الطبيعة دافعاً لنا للعمل بالوصية. فالمرأة خُلقت من ضلع أعوج، وهذا لا يعني النقص فيها، بل هو إشارة إلى طبيعتها العاطفية والرقيقة.
إذا حاولنا تقويم هذا الاعوجاج بالقوة والعنف، فإننا نكسرها. والكسر هنا يعني إلحاق الأذى بها، وربما يؤدي إلى الفراق والطلاق. أما إذا تركنا الضلع على اعوجاجه، فإنه يبقى كذلك. وهذا يعني أننا يجب أن نتقبل طبيعة المرأة، ونتعامل معها بالحكمة والصبر.

يجب علينا أن نتذكر دائماً قول الله تعالى:
فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا
[النساء: 19]. قد نكره في المرأة بعض الصفات، ولكن قد يكون فيها من الخير ما لا نراه. الصبر والاحتساب هما السبيل إلى السعادة الزوجية والأسرية.

الجزء الثاني من الحديث

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أيها الإخوة والأخوات، إن الوصية بالنساء تتضمن جوانب عديدة للإحسان إليهن.
ومن مظاهر الإحسان إلى المرأة ما يلي:

  • إعطاؤها حقها كاملاً من الميراث الذي فرضه الله، وعدم حرمانها منه بحجج واهية. توزيع الإرث يجب أن يكون وفقاً للشريعة الإسلامية، دون تحيز أو تفضيل للذكور على الإناث.
  • عدم المساس بحقها في المهر، وإعطاؤه كاملاً غير منقوص، فهو حق خالص لها. المهر هو ملك للمرأة، ولا يجوز للزوج أو غيره التصرف فيه إلا بإذنها ورضاها.
  • عدم رد الخاطب الكفء صاحب الدين والخلق إذا تقدم لخطبتها. يجب أن يكون معيار القبول والرفض هو الدين والخلق، وليس المال أو الجاه.

الدعاء والتضرع

اللهم ألّف بين قلوب المسلمين ووحد صفوفهم. اللهم أصلح ذات بينهم واهدهم سبل السلام. اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم. اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك. اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها، وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة. يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث، أصلح لنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين. اللهم أعذنا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، وأعذنا من شر كل ذي شر.

عباد الله، إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون. وأقم الصلاة.

المصادر والمراجع

  1. سورة آل عمران، آية: 102
  2. سورة النساء، آية: 1
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:3331، صحيح.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

روعة الكون وتجليات قدرة الخالق

المقال التالي

موعظة حول حديث (إذا رأى أحدكم منكرًا)

مقالات مشابهة