تأملات في الحديث الشريف: فضل محبة لقاء الله

استكشاف لمعنى حديث ‘من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه’ وكيفية الاستعداد للقاء الله عز وجل. نصائح وتوجيهات للمسلمين لعيش حياة ترضي الله.

مقدمة وتمهيد

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والحمد لله الذي هدانا للإسلام وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله. نستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله بشيراً ونذيراً للعالمين.

يا سيد الأنبياء والمرسلين، نشهد أنك قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة وجاهدت في الله حق جهاده حتى أتاك اليقين. فاللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته.

التأكيد على أهمية تقوى الله

أيها الإخوة المؤمنون، أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل في السر والعلن، فهي وصية الله للأولين والآخرين. اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون. واعلموا أن التقوى هي خير زاد ليوم المعاد. قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا).

الجزء الأول من الخطبة

أيها الأحبة في الله، الحياة دار فناء والآخرة دار بقاء، والموت هو الحقيقة التي لا مفر منها. كل نفس ذائقة الموت، والسعيد من اتعظ واستعد للقاء الله. وقد ورد في الحديث الشريف ما يبين فضل من أحب لقاء الله، فعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

(مَن أحبَّ لقاءَ اللَّهِ، أحبَّ اللَّهُ لقاءَهُ، ومن كرِهَ لقاءَ اللَّهِ، كرِهَ اللَّهُ لقاءَهُ، فقيلَ: يا رسولَ اللَّهِ كراهيةُ لقاءِ اللَّهِ في كراهيةِ لقاءِ الموتِ، فَكُلُّنا يَكْرَهُ الموتَ، قالَ: لا، إنَّما ذاكَ عندَ موتِهِ، إذا بُشِّرَ برحمةِ اللَّهِ ومغفرتِهِ، أحبَّ لقاءَ اللَّهِ، فأحبَّ اللَّهُ لقاءَهُ، وإذا بُشِّرَ بعذابِ اللَّهِ، كرِهَ لقاءَ اللَّهِ، وَكَرِهَ اللَّهُ لقاءَهُ).

إن محبة لقاء الله لا تعني تمني الموت، بل تعني الاستعداد له بالعمل الصالح والإقبال على الطاعات، فالمؤمن الحق هو الذي يستعد للقاء ربه في كل لحظة. فإذا حضره الأجل، بشره الله بالجنة والرضوان، فأحب لقاء الله، وأحب الله لقاءه. أما من كره لقاء الله، فذلك بسبب سوء عمله وذنوبه، فكره الله لقاءه.

إخواني، الناس عند اقتراب الأجل صنفان: صنف غافل لاهٍ عن ذكر الله، مستمر في معاصيه، لا يستعد للقاء ربه، فهذا يبغض لقاء الله فيبغض الله لقاءه. وصنف آخر يتذكر الآخرة، ويقبل على الطاعات، ويتوب إلى الله، ويستعد للقاء ربه، فهذا يحب لقاء الله فيحب الله لقاءه.

السعادة الحقيقية والفوز العظيم هو الفوز بالجنة والنجاة من النار. هناك ينعم المؤمنون بنعيم لا يزول، وتشرق وجوههم نوراً وبهاءً. قال تعالى: ﴿ تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ﴾، وقال تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ* إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾، ومن شدة الفرح تظهر البشاشة والابتسامة على وجوههم. قال تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ* ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ﴾.

أيها المسلمون، تذكروا أن بعد هذه الحياة جنة أو نار، فاجعلوا الدنيا معبراً للآخرة، واحرصوا على الطاعات وتجنبوا المحرمات. ليكن المسلم في هذه الدنيا كأنه غريب أو عابر سبيل. فإن الآخرة هي دار البقاء والخلود.

الجزء الثاني من الخطبة

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أيها الناس، الموت قادم لا محالة، وهو هادم اللذات ومفرق الجماعات، فكونوا على استعداد دائم للقاء الله عز وجل، حتى يحب الله لقاءكم.

ينبغي على المؤمن أن يحرص على فعل الخيرات، وأن يكون كاظماً للغيظ، مقبلاً على ربه، متواضعاً لإخوانه، مساعداً للمحتاجين، شاكراً لله على نعمه، باراً بوالديه، قائماً الليل وصائماً النهار. هذه صفات من أحب لقاء الله واستعد له.

تذكروا أنكم عن هذه الدنيا راحلون، وفي القبور نازلون، وعن أعمالكم محاسبون، وأمام ربكم واقفون. فأعدوا العدة لما بعد الموت، فالعاقل من اتعظ، والجاهل من أعرض وتولى.

الدعاء والرجاء

اللهم ارحم ضعفنا وتول أمرنا واغفر ذنوبنا.
اللهم اجعلنا ممن أحب لقاءك واشتاق إليه.
اللهم اختم لنا بخاتمة السعادة والرضوان.
اللهم باعد بيننا وبين معاصيك كما باعدت بين المشرق والمغرب.
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان.
اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين وأصلح لنا شأننا كله.
اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها.
اللهم اجعلنا من الذين تحبهم ويحبونك.
اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله، إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكّرون، وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.

المصادر والمراجع

المصدرملاحظات
سورة النساء، آية: 1في فضل التقوى.
صحيح ابن ماجة، حديث عائشة أم المؤمنين، رقم: 3458في معنى محبة لقاء الله.
الخطابي، أعلام الحديث شرح صحيح البخاري، صفحة 2262تفسير محبة الله.
سورة المطففين، آية:24وصف نعيم أهل الجنة
سورة القيامة، آية:23النظر إلى وجه الله الكريم في الجنة
سورة عبس، آية:39فرحة أهل الجنة
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

أهمية الصلاة وعاقبة التهاون بها

المقال التالي

التحذير من الفجور في الخصومة: رؤية إسلامية

مقالات مشابهة

الهجرة النبوية الشريفة: حماية الرسالة وبناء الدولة الإسلامية

استعراضٌ لأهمية الهجرة النبوية إلى المدينة المنورة في حماية الدعوة الإسلامية وبناء الدولة الإسلامية، مع التركيز على بناء المسجد النبوي، والمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، ووثيقة المدينة المنورة.
إقرأ المزيد

أدعية منقولة عن أنس بن مالك رضي الله عنه

مجموعة أدعية مأثورة عن الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه، تتضمن أدعية للتحصين، ودعاء لخيري الدنيا والآخرة، ودعاء لطلب العلم، ودعاء الاستسقاء، ودعاء الاستصحاء، ودعاء للاستعاذة من الأمراض.
إقرأ المزيد