تأملات حول دور وسائل الاتصال الحديثة

مقدمة حول أهمية الإعلام

في عصرنا الحالي، أصبحت وسائل الاتصال جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية. إنها تتخلل كل زاوية من زوايا عالمنا، وتغطي شتى جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. أصبح الأمر أشبه باستنشاق الهواء؛ فهي موجودة في كل مكان، سواء أكان ذلك عبر شاشات التلفاز في منازلنا، أم عبر أثير الإذاعة في سياراتنا، أو حتى عبر منصات التواصل الاجتماعي المتنوعة.

لقد سهلت منصات التواصل الاجتماعي الوصول السريع والفوري إلى المعلومات والأخبار التي يرغب الفرد في معرفتها. من خلال منصات مثل يوتيوب وفيسبوك، وغيرها من التطبيقات المتاحة على هواتفنا الذكية، يمكننا الوصول إلى المعلومة في أي زمان ومكان.

الوجهان المتناقضان لوسائل الإعلام

تحمل وسائل الإعلام في طياتها وجهين متناقضين؛ فهي قد تكون نعمة وبركة على البعض، بينما تكون نقمة وجحيمًا على آخرين. إنها أداة قوية في نقل الحقائق والأخبار، وتكون ذات فائدة عظيمة عندما تُستخدم بطريقة مسؤولة لنقل الأحداث بمصداقية ومهنية عالية. يجب التأكيد على أهمية تبني موقف حيادي يخدم الحقيقة والمعلومة فقط، دون الانحياز إلى أي جهة أو الانصياع لأي أجندات خاصة.

تلعب وسائل الإعلام دورًا حيويًا في تخفيف آثار الكوارث الإنسانية، وتفتح الباب أمام الدول لتقديم الدعم والمساعدة للدول المتضررة من الأوبئة أو الانهيارات الاقتصادية أو الكوارث الطبيعية. إنها تساهم في نشر التكنولوجيا والتطورات العلمية، حيث تنقل للعالم آخر الاكتشافات والاختراعات التي تهدف إلى تحسين حياة البشر. بل إن لها دورًا كبيرًا في نقل الحضارات والثقافات بين الدول.

حتى لو لم يكن الشخص قادرًا على السفر، يمكنه استكشاف العالم والتعرف على ثقافات مختلفة وهو جالس في مكانه. من خلال وسائل الإعلام، يمكننا تبادل الثقافات والتعرف على عادات وتقاليد الشعوب المختلفة.

من بين الجوانب الإيجابية لوسائل الإعلام هو دورها في الدفاع عن القضايا الإنسانية، مثل مكافحة التنمر والظلم الذي يتعرض له بعض أفراد المجتمع. إنها تتيح الفرصة لإيصال أصواتهم إلى العالم وتمكينهم من التعبير عن أنفسهم.

نشر العلم والمعرفة والحد من الجهل من الأمور التي تضفي على وسائل الإعلام قيمة هادفة. كما أن تسليط الضوء على المشكلات الاجتماعية التي تواجه مجتمعاتنا، من خلال نشر الوعي والتطرق إلى أسبابها ونتائجها الكارثية، يعتبر دورًا هامًا تقوم به وسائل الإعلام.

أما عن الجانب السلبي، فيظهر عندما تفضح وسائل الإعلام أكاذيب الأشخاص الذين يسعون إلى إلحاق الأذى بالآخرين من خلال نشر معلومات مضللة. كما تكون سلبية عندما تشوه الحقائق وتنقلها بطريقة تخدم مصالح شخصية، دون التحقق من صحة المعلومات أو التمييز بين الحقيقة والإشاعة.

قد تستهدف وسيلة الإعلام جهة معينة بهدف النيل منها أو القضاء عليها، مستغلة تأثيرها الكبير على الأفراد، دون الاكتراث للمصداقية أو التفكير في العواقب. هذه الأساليب يمكن أن تدمر مستقبل الآخرين وتشوه الحقائق.

يجب على وسائل الإعلام والإعلاميين الالتزام بالموضوعية والحياد، لأنهم يمثلون وجه الحقيقة. يجب عليهم تجنب بث الطائفية وتأجيج النزاعات، وعدم استغلال قدرتهم على إيصال الرسائل للعالم في تضليل الحقائق ونشر الأكاذيب والأخبار الفاسدة، لأن ذلك يترك أثرًا سلبيًا كبيرًا.

أصبح الوصول إلى وسائل الإعلام سهلًا للغاية، خاصة مع التقنيات الحديثة مثل مواقع التواصل الاجتماعي ومحركات البحث والمواقع الإخبارية على الإنترنت. بضغطة زر، يمكن للشخص الوصول إلى ما يريد، ولكن في الوقت نفسه، يتعرض للكثير من الأخبار الزائفة والمضللة.

تكون وسائل الإعلام سلبية عندما لا يتم التأكد من مصداقية ما تنشره، وعندما لا تخضع للرقابة الكافية، وعندما تكون متاحة لأي شخص بغض النظر عن عمره، دون الانتباه إلى تقييد بعض الأخبار والأحداث بفئات عمرية محددة. قد يؤدي تعرض الأطفال لمشاهد عنيفة أو أفكار سيئة إلى أضرار نفسية ومعرفية.

يجب على الأهل الانتباه إلى المحتوى الذي يشاهده أطفالهم، لأن الأفكار التي يتعرضون لها ستؤثر في بناء مفاهيمهم وتغيير معتقداتهم.

الإعلام كسلاح ذو حدين

في الختام، يمكن القول أن وسائل الإعلام سلاح ذو حدين، شأنها شأن الكثير من الأمور في حياتنا. إذا أحسنا استخدامها، فإنها تعود علينا بالنفع والفائدة، وإذا أسأنا استخدامها، فإنها تتسبب لنا في الضرر والخسارة. من بين الإيجابيات أنها تربط أجزاء العالم ببعضها البعض وتساعد الناس على التعرف على ما يحدث حولهم. أما من بين السلبيات، فهو عدم التأكد من صحة كل ما يتم نقله وتداوله من خلالها.

كما يجب الانتباه إلى التأثير السلبي على عقول الأطفال إذا ما تم بث أفكار متطرفة وغير مناسبة. لذا، يجب على الأهل أن يكونوا حذرين بشأن ما يشاهده أبناؤهم وأن يختاروا المحتوى المناسب لهم، وألا يتأثروا بكل معلومة يتم تداولها عبر وسائل الإعلام. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع”.

وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [الحجرات: 6].

Exit mobile version