التعايش مع البيئة
منذ القدم، سعى الإنسان جاهداً للتعايش والتأقلم مع الظروف البيئية القاسية. عمل على إيجاد مصادر للمياه النقية، واكتشاف أماكن لصيد الحيوانات بهدف الحصول على غذائها وجلودها وأصوافها، بالإضافة إلى جمع النباتات الصالحة للأكل والبذور لتخزينها استعدادًا لأوقات الشدة. واجه الإنسان الكوارث الطبيعية بالتنقل من مكان لآخر لحماية نفسه وعائلته وممتلكاته.
لكن مع التطور العلمي، أصبح الإنسان أكثر قدرة على التكيف والسيطرة على البيئة التي يعيش فيها، مبتكرًا وسائل حديثة لمواجهة أي تغييرات تطرأ عليها. سنتناول في هذا المقال كيف فرضت الطبيعة سيطرتها على الإنسان في الماضي، وكيف استطاع الإنسان أن يتعايش معها ويتغلب على تحدياتها.
أثر الإنسان في محيطه الطبيعي
لفترة طويلة، كانت البيئة هي القوة المهيمنة التي تؤثر على حياة الإنسان. ساد الاعتقاد في الحضارات القديمة بأن الإنسان خاضع تمامًا للبيئة المحيطة به، مثل باقي الكائنات الحية. كان الإنسان مضطرًا للهجرة بحثًا عن الغذاء والماء والمأوى الآمن.
كانت الحضارات القديمة تميل إلى تقديس الظواهر الطبيعية التي تحدث في البيئة المحيطة بها. على سبيل المثال، كان قدماء المصريين يعبدون نهر النيل خوفًا من فيضانه وتدميره للأراضي الزراعية والمساكن.
كان سكان الجزيرة العربية ينتقلون باستمرار من مكان إلى آخر هربًا من حرارة الصحراء ونقص الموارد الغذائية والمراعي لحيواناتهم. وبالمثل، كان سكان جزر اليابان يعيشون في خوف دائم من الزلازل التي كانت تضرب الجزر. ولكن مع التقدم العلمي والتكنولوجي، تمكن الإنسان، من خلال تجاربه مع البيئة، من فرض سيطرته بشكل كبير على محيطه الطبيعي.
تمكن الإنسان من التغلب على ارتفاع درجات الحرارة في بعض المناطق من خلال اختراع المكيفات وأنظمة التبريد المتطورة، مما أدى إلى بناء منازل مكيفة صيفًا وشتاءً. ساهم ذلك في ظهور مدن عملاقة في الصحاري الحارة، مثل دبي، التي تعتبر من أشهر المدن العالمية في مجال البناء.
وبفضل التقدم العلمي، استطاع الإنسان السكن في أماكن لم يكن يستطيع الوصول إليها في السابق، مثل المرتفعات الجبلية، حيث شق الطرق التي تسهل الوصول إلى هذه المساكن. وقام أيضًا ببناء منازل مقاومة للزلازل في اليابان. أما فيما يتعلق بالمواد الغذائية، فقد تمكن الإنسان من ابتكار وسائل جديدة لزراعة الفواكه والخضراوات في جميع أوقات العام، مثل البيوت البلاستيكية والخضراوات المهجنة والمعدلة وراثيًا التي تستطيع مقاومة الظروف البيئية الصعبة. على سبيل المثال، زراعة القمح في روسيا الباردة جدًا وزراعة شجر الزيتون في دبي الحارة جدًا.
لكن لا يزال هناك تأثير للبيئة على الإنسان، خاصة عند حدوث الكوارث الطبيعية التي تخرج عن سيطرة الإنسان، مثل الزلازل القوية التي حدثت في اليابان وأدت إلى تهجير عدد كبير من السكان، والأعاصير التي تضرب السواحل الشرقية والجنوبية للولايات المتحدة والمكسيك وأدت إلى هجرة الآلاف بسبب قوتها المدمرة.
يمكن القول إن هناك تأثيرًا متبادلاً بين البيئة والإنسان، وهذا التأثير المتداخل لدرجة أنه يصعب تحديد متى يتوقف تأثير أحدهما ليبدأ تأثير الآخر.