بيان حكم ذكر اسم الله قبل الاغتسال في دورة المياه

استكشاف آراء العلماء في مسألة ذكر اسم الله قبل الاغتسال في دورات المياه. تفصيل حول استحباب أو وجوب التسمية وأدلة كل رأي.

مقدمة

تعتبر الطهارة جزءًا أساسيًا من العبادات في الإسلام، ومن بين أنواع الطهارة الغُسل، وهو تطهير الجسد بالكامل بالماء. يثير هذا الأمر تساؤلات حول بعض الأحكام المتعلقة به، مثل حكم ذكر اسم الله قبل البدء بالغسل في دورة المياه، وهي أماكن قد يتردد البعض في ذكر اسم الله فيها.

الكلام بذكر الله في دورة المياه

يجوز للمسلم أن يذكر الله في قلبه أثناء الوضوء أو الغسل أو غير ذلك في دورة المياه. أما النطق بذكر الله أو التسمية باللسان في دورة المياه، فقد اختلف العلماء في حكمه، وانقسموا إلى رأيين:

  • رأي جمهور العلماء (الحنفية، الشافعية، والحنابلة): يرون كراهة ذكر الله -تعالى- في دورة المياه عمومًا، مستندين إلى أدلة منها ما ورد عن المهاجر بن قنفذ -رضي الله عنه-: (أنَّهُ أتى النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ وَهوَ يبولُ فسلَّمَ عليهِ فلم يردَّ عليهِ حتَّى تَوضَّأ ثمَّ اعتذرَ إليهِ فقالَ إنِّي كَرِهْتُ أن أذكرَ اللَّهَ عزَّ وجلَّ إلَّا علَى طُهْرٍ أو قالَ علَى طَهارةٍ). وجه الدلالة من الحديث هو أن النبي لم يرد السلام وهو يقضي حاجته، وكره ذكر الله في هذا الموضع، ولو كان جائزًا لرد عليه السلام في حينه.
  • رأي المالكية: يرون جواز وعدم كراهة ذكر الله داخل دورة المياه، ولا يرون في ذلك حرجًا أو إثمًا. واستدلوا بما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَذْكُرُ اللَّهَ علَى كُلِّ أحْيَانِهِ)، فالحديث يدل على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يذكر الله في كل أحواله ولم يستثن من ذلك وقت قضاء الحاجة. إضافة إلى ذلك، استدلوا بأنه لم يرد أي دليل قاطع ينهى عن ذكر الله في دورة المياه.

مسألة التسمية قبل الاغتسال

اختلف الفقهاء في حكم التسمية قبل الغُسل، وتباينت آراؤهم في هذه المسألة، وذهبوا إلى رأيين مختلفين:

الرأي الأول: استحباب التسمية

ذهب جمهور العلماء من الشافعية والحنفية والمالكية إلى استحباب التسمية في بداية الغُسل، ويعتبرونها من الفضائل التي ينبغي للمسلم أن يحرص عليها عند الاغتسال. وقد استندوا في ذلك إلى عدة أدلة، منها:

  • ما ورد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (لا صلاةَ لمن لا وضوءَ لَهُ، ولا وضوءَ لمن لم يذكرِ اسمَ اللَّهِ تعالى عليهِ)، فإذا كانت التسمية مستحبة قبل الوضوء، فهي من باب أولى أن تكون مستحبة قبل الغُسل؛ لأن الغسل حدث أكبر من الوضوء.
  • القياس على مشروعية التسمية في كثير من الأمور الأخرى، سواء كانت عبادات أو غيرها، فمن المستحسن قولها عند الغُسل أيضًا.
  • ورد عن يعلى بن أميّة أنّه قال: “بينما عمرُ بنُ الخطَّابِ يغتسِلُ إلى بعيرٍ، وأنا أسترُ عليه بثوبٍ، إذ قال عمر: يا يَعلَى، أصبُبُ على رأسي؟ فقلتُ: أميرُ المؤمنين أعلمُ، فقال عُمَرُ بن الخطَّاب: واللهِ لا يزيدُ الماءُ الشَّعرَ إلَّا شعثاً، فسمَّى اللهَ ثمَّ أفاض على رأسِه”.

الرأي الثاني: وجوب التسمية

يرى الحنابلة وجوب التسمية قبل الغُسل، قياسًا على وجوب التسمية في الوضوء عندهم. فإذا كانت التسمية واجبة للطهارة من الحدث الأصغر، فإنها تكون واجبة من باب أولى للطهارة من الحدث الأكبر.

المصادر والمراجع

  • محمد صالح المنجد، “ذكر الله في الحمام”، إسلام سؤال وجواب.
  • دبيان الدبيان، موسوعة أحكام الطهارة.
  • الألباني، صحيح أبي داود، عن المهاجر بن قنفذ.
  • مسلم، صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين.
  • مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية.
  • “المطلب الأول: التسمية”، الدرر السنية.
  • الألباني، صحيح أبي داود، عن أبي هريرة.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

مشروعية إطلاق اسم يونس على الأبناء

المقال التالي

الرأي الشرعي في التسويق متعدد المستويات

مقالات مشابهة