بيان حكم الامتناع عن الأضحية مع الاستطاعة

استكشاف آراء الفقهاء في حكم ترك الأضحية لمن يملك القدرة عليها، وشرح مفهوم القدرة وأحكام الأضحية، وبيان الحكمة من مشروعيتها.

رأي الشرع في عدم التضحية مع المقدرة

تباينت وجهات نظر العلماء والفقهاء في مسألة حكم الامتناع عن تقديم الأضحية مع وجود القدرة المادية على ذلك، ويعود هذا التباين إلى اختلافهم في الأصل في تحديد حكم الأضحية ذاتها. فيما يلي عرض لهذه الآراء المختلفة:

  • رأي جمهور العلماء: يرى أغلب الفقهاء أن الأضحية هي سنة مؤكدة لمن استطاع إليها سبيلا، وبناء على هذا، يعتبر تركها أمراً مكروهاً.
  • رأي الحنفية: يذهب أصحاب المذهب الحنفي إلى أن الأضحية واجبة على كل من يملك القدرة على تقديمها، وبالتالي فإن الامتناع عن الأضحية يعتبر إثماً يستوجب المساءلة.

يتضح من هذه الآراء أن الاستطاعة والقدرة المادية تعتبر شرطاً أساسياً للأضحية، سواء اعتبرت واجبة أو سنة مؤكدة. ولا يجوز لمن كان قادراً مادياً أن يمتنع عن تقديمها، بينما لا تُطلب الأضحية ممن لا يجد إليها سبيلا. وقد استدل العلماء على ذلك بما روي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-:(مَنْ وَجَد سَعَةً فلم يُضَحِّ فلا يَقْرَبَنَّ مُصَلاَّنا).

توضيح المقصود بالاستطاعة

وضع الفقهاء تعريفات مختلفة لمفهوم القدرة والاستطاعة المتعلقة بالأضحية، وحددوا مقدار هذه القدرة، وذلك على النحو التالي:

  • عند الحنفية: يعتبر الشخص قادراً إذا كان يمتلك مائتي درهم، وهو مقدار نصاب الزكاة، أو إذا كان يملك أثاثاً أو ممتلكات زائدة عن حاجته الأساسية تقدر بهذا المبلغ.
  • عند المالكية: يرون أن القادر هو من لا يحتاج إلى المبلغ المخصص للأضحية في أي شيء ضروري لحياته، وحتى لو كان باستطاعته الاقتراض، فعليه أن يستدين ليضحي.
  • عند الشافعية: يعتبرون القدرة هي أن يملك الشخص مالاً زائداً عن حاجته وحاجة أفراد أسرته.
  • عند الحنابلة: يرى الحنابلة أن كل من يستطيع توفير ثمن الأضحية، حتى عن طريق الاقتراض، يعتبر قادراً ومستطيعاً.

تفصيل أحكام الأضحية

الأضحية في اللغة: هي الشاة التي يذبحها المسلمون في عيد الأضحى، ويطلق عليها أيضاً اسم الضحية. أما في الاصطلاح الشرعي: فهي كل ما يذبحه المسلمون من الأنعام في عيد الأضحى وأيام التشريق بهدف التقرب إلى الله -تعالى-.

اختلف الفقهاء في حكم الأضحية على رأيين رئيسيين:

  • سنة مؤكدة: وهذا هو رأي جمهور الفقهاء، وقد استدلوا بحديث أم المؤمنين أم سلمة -رضي الله عنها- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-:(إذا دَخَلَتِ العَشْرُ، وأَرادَ أحَدُكُمْ أنْ يُضَحِّيَ، فلا يَمَسَّ مِن شَعَرِهِ وبَشَرِهِ شيئًا)، فالحديث يعلق الأضحية بالإرادة، والواجبات لا تعلق بالإرادة.
  • واجبة: وقد تبنى هذا الرأي فقهاء الحنفية، واستدلوا بالأمر الوارد في الآية الكريمة:(فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)، والأمر في اللغة العربية يفيد الوجوب.

الغاية من تشريع الأضحية

شرع الله -تعالى- الأضحية لعباده المؤمنين لعدة حكم سامية، من أبرزها:

  • إحياء سنة أبينا إبراهيم -عليه السلام-؛ عندما أمره الله -تعالى- بذبح ولده إسماعيل -عليه السلام-، ثم فداه الله -تعالى- بذبح عظيم، مكافأة له على امتثاله لأوامر الله -تعالى- وتفضيلها على محبة ولده.
  • شكراً لله -تعالى- على النعم الكثيرة التي أنعم بها على عباده.
  • امتثال أوامر الله -تعالى-، وتطبيق سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، الذي ضحى عن نفسه وعن أهل بيته وأمته بكبشين أقرنين.
  • طمعاً في نيل القرب من الله -تعالى-، والفوز بمغفرته ورضوانه.

المصادر

  • أبوهبة الزحيلي،الفقه الإسلامي وأدلته للزحيلي(الطبعة 4)، سوريا:دار الفكر، صفحة 2704، جزء 4. بتصرّف.
  • رواه أحمد شاكر، في مسند أحمد، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:120، إسناده حسن.
  • عبد الرحمن الجزيري (2003)،الفقه على المذاهب الأربعة(الطبعة 2)، بيروت:دار الكتب العلمية، صفحة 644، جزء 1. بتصرّف.
  • صالح السدلان،رسالة في الفقه الميسر، صفحة 94. بتصرّف.
  • مجموعة من المؤلفين،الموسوعة الفقهية الدرر السنية، صفحة 342-344. بتصرّف.
  • رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أم سلمة، الصفحة أو الرقم:1997، صحيح.
  • سورة الكوثر، آية:2
  • عبد الله الطيار (2012)،الفقه الميسر(الطبعة 2)، الرياض:مدار الوطن، صفحة 118، جزء 4. بتصرّف.
Total
0
Shares
المقال السابق

المنظور الشرعي لتربية الخيول

المقال التالي

تقدير الامتناع عن السنن الـمؤكدة

مقالات مشابهة