بدايات الفكر الكوني: رحلة عبر فلسفة الإغريق

استكشاف جذور الفلسفة اليونانية في فهم أصل الكون، من خلال دراسة مساهمات طاليس، أنكسيمندريس، أنكسيمانس، والفلاسفة الطبيعيون الآخرون.

فهرس المحتويات

المدرسة الملطية: طاليس وأتباعه

شكلت مدينة ميليتس اليونانية مهدًا لفلسفة يونانية مبكرة سعت إلى فهم الكون من منظور مادي بحت. وقد طرح الفلاسفة الملطيون سؤالًا محوريًا: ما هو أصل الوجود؟ وكان طاليس من أوائل من حاول الإجابة على هذا السؤال البالغ الأهمية. لم يكن طاليس مجرد فيلسوف، بل كان عالم رياضيات ومهندسًا وفلكيًا بارزًا. اشتهر بكونه أول من حدد أن الماء هو المبدأ الأول للكون. اعتمد طاليس على ملاحظة أن الماء عنصر أساسي في الحياة، وبسيط في تركيبه، وهو موجود بشكل واسع في البيئة.

تبع طاليس تلميذه أنكسيمندريس الذي رفض فكرة الماء كمبدأ أولي. بدلًا من ذلك، اقترح أنكسيمندريس مفهوم “الأпейρον” (apeiron)، وهو مادة لا نهائية، غير محددة، وتشمل في طياتها عناصر متضادة كالحرارة والبرودة، والجفاف والرطوبة. لقد كان هذا مفهومًا ثوريًا في عصره، يضع أساسًا لفهم أكثر تعقيدًا للكون.

أما أنكسيمانس، تلميذ أنكسيمندريس، فقد عاد إلى فكرة العنصر الأولي الواحد، ولكنه اختار الهواء بدلًا من الماء. برر أنكسيمانس اختياره من خلال بساطة الهواء ووجوده الواسع في البيئة، مضيفًا أنه يحيط بالأرض، يشكل الغلاف الجوي. لقد جسدت هذه الاختلافات بين هؤلاء الفلاسفة تطورًا في التفكير الفلسفي حول أصل الوجود.

الفلاسفة الطبيعيون المتأخرون

بعد المدرسة الملطية، برزت وجهات نظر جديدة حول أصل الكون. أنبادوقليس، على سبيل المثال، رفض فكرة العنصر الأولي الواحد، واقترح وجود أربعة عناصر أساسية: الماء، الهواء، النار، والتراب. رأى أنبادوقليس أن هذه العناصر متساوية في الأهمية، لا توجد بينها أي تراتبية، وأنها تشكل الكون من خلال تفاعلاتها المتبادلة.

ثم جاء ديموقريطس، الذي قدم نظرية الذرة، معتقدًا أن الكون يتكون من ذرات لا نهائية، غير قابلة للانقسام، تتحرك في فراغ. كانت هذه النظرية ثورية لأنها كانت أول محاولة جادة لشرح الكون من خلال مبادئ مادية بحتة، بعيدة عن التفسيرات الأسطورية أو الخرافية. هذه النظرية لها أثر كبير على الفلسفة حتى يومنا هذا.

وأخيرًا، أنكساغورس، الذي كان من تلامذة أنكسيمانس، وقدّم مفهومًا مختلفًا يرى أن الوجود يتكون من مبادئ لا نهائية، تتفاعل معًا لتشكل الأشياء المادية. يُعرف هذا المفهوم بـ”الجواهر”، حيث تختلف كمية وجود كل جوهر في كل شيء، مما يُشكل تنوع الكون.

المراجع

المصادر:

  • يوسف كرم، تاريخ الفلسفة اليونانية.
  • موسوعة بريتانيكا.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

فلسفة طاليس: الماء كأصل للكون

المقال التالي

أصل بعض الأمثال الشعبية وقصصها

مقالات مشابهة