محتويات
تعريف الكذب: لغةً واصطلاحاً
الكذب، في اللغة، هو عكس الصدق. بينما يشير المصطلح الشرعيّ للكذب إلى نطق شخص ما بشيء مخالف للحقيقة، بغض النظر عن نيّته، سواء كانت عمدية أو سهوية. يشمل هذا التعريف الإخبار عن الماضي أو المستقبل.
يُعرّف ابن منظور الكذب لغةً بقوله: “خلاف الصدق”.
يُشير الإمام النووي في تعريفه الاصطلاحيّ للكذب إلى “الإخبار عن الشيء على خلاف ما هو، عمداً كان أو سهواً، سواء كان الإخبار عن ماضٍ أو مستقبل”.
حكم الكذب في الإسلام: حرمةٌ وخطرٌ جسيم
أجمع علماء الأمة الإسلامية على حرمة الكذب، وبيّن القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ذلك بوضوح.
يُعدّ الكذب من أعظم الذنوب وأكبر العيوب، وقد وصفه رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بأنه من علامات النفاق، كما ورد في الحديث الشريف:
“آيَةُ المُنافِقِ ثَلاثٌ: إذا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذا وعَدَ أخْلَفَ، وإذا اؤْتُمِنَ خانَ”.
نهى الله -تعالى- عن الكذب في القرآن الكريم بقوله:
“وَلا تَقفُ ما لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ إِنَّ السَّمعَ وَالبَصَرَ وَالفُؤادَ كُلُّ أُولـئِكَ كانَ عَنهُ مَسئولًا”.
ويُبيّن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطر الكذب على الإنسان، موضحاً أنه يُبعده عن البرّ والجنة، ويُقربه من الفجور والنار:
“إنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إلى البِرِّ، وإنَّ البِرَّ يَهْدِي إلى الجَنَّةِ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حتَّى يَكونَ صِدِّيقًا، وإنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إلى الفُجُورِ، وإنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إلى النَّارِ، وإنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا”.
عقوبة الكذب: في الدنيا والآخرة
يُعاقب الله -تعالى- الكاذبين باللعن في الدنيا والآخرة، كما جاء في كتابه العزيز:
“فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ”.
يُعدّ الكذب على الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- من أشدّ أنواع الكذب، وعقوبته شديدة. من يكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سيُعاقب بالنار، بينما اعتقاد جواز الكذب عليه يُخرج صاحبه من الإسلام. الكذب على الله -تعالى- يُعَدّ إباحةً لما حرمه الله.
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُعاقب من يُكذب من عائلته، ويبقى متجاهلاً له حتى يتوب عن كذبته، مما يُشير إلى حرصه الشديد على محاربة الكذب.
تتضمن عقوبة الكذب بعد الموت عذاباً شديداً في القبر، كما أخبرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
“أَمَّا الرَّجُلُ الذي أتَيْتَ عليه، يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إلى قَفَاهُ، ومَنْخِرُهُ إلى قَفَاهُ، وعَيْنُهُ إلى قَفَاهُ، فإنَّه الرَّجُلُ يَغْدُو مِن بَيْتِهِ، فَيَكْذِبُ الكَذْبَةَ تَبْلُغُ الآفَاقَ”.
يُعَدّ عذاب القبر مقدمةً لعذاب يوم القيامة الذي يُعدّ أشدّ.
ما يباح من الكذب: استثناءاتٌ محددة
بالرغم من حرمة الكذب، إلا أنّه قد تكون هناك بعض الاستثناءات التي يُجيز الإسلام فيها الكذب، شريطة أن يُؤدي إلى نتيجةٍ إيجابيةٍ لا يمكن تحقيقها بغيره.
تُعدّ قاعدة “الضرورة تُبيح المحظور” قاعدةً أساسية في هذه الاستثناءات، بحيث يُجاز الكذب عند الحاجة إليه لتجنب ضررٍ أكبر.
روى الإمام مسلم عن أمّ كلثوم بنت عقبة -رضي الله عنها- قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
“ليسَ الكَذّابُ الذي يُصْلِحُ بيْنَ النَّاسِ، ويقولُ خَيْرًا ويَنْمِي خَيْرًا، قالَ ابنُ شِهابٍ: ولَمْ أسْمَعْ يُرَخَّصُ في شيءٍ ممَّا يقولُ النَّاسُ كَذِبٌ إلَّا في ثَلاثٍ: الحَرْبُ، والإِصْلاحُ بيْنَ النَّاسِ، وحَديثُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وحَديثُ المَرْأةِ زَوْجَها”.
تُوضّح هذه الرواية أنّه يُجاز الكذب في ثلاثة مواقف محددة:
الحرب: التضليل والخداع لتحقيق النصر
في الحروب، تُجاز الحيل والخداع لتحقيق النصر، مع ضرورة أن يكون ذلك بطرقٍ غير مباشرة، دون الإخبار بغير الحقيقة بشكل مباشر. يتم اللجوء إلى الوسائل الذكية ومخادعات الحروب التي تُؤدي إلى هزيمة العدو.
الصلح بين المتخاصمين: التخفيف من حدة الخلاف وتعزيز الألفة
في حال وجود خلافٍ بين شخصين، يحتاج المُصلح إلى أن ينفي بعض أقوال أو أفعال أحد الطرفين، وقد يقول كلامًا لم يُقله أحدٌ منهم، وذلك لِتخفيف حدة المشكلة، وزيادة الألفة والمودة بينهما. لو كشف عن الحقيقة، لِتزايدت المشكلة وازداد الخلاف والخصام، مما يُعقّد عملية الإصلاح.
الحياة الزوجية: المحافظة على السعادة والحبّ
قد تحتاج الزوجة في بعض الأحيان إلى أن تخبر زوجها بغير الحقيقة، والعكس صحيح. يُجاز الكذب في هذه الحالات ما دام لا يضرّ بالآخرين ويُحافظ على السعادة الزوجية.
قد يُؤدي الكشف عن بعض الحقائق إلى مشكلاتٍ أو حقدٍ، مما يُفقد المودة بين الزوجين. يَجِبّ أن يُؤدي الكذب إلى تقوية الألفة والمودة، وزيادة الحبّ والفرح في العلاقة الزوجية.
أضرار الكذب: عواقبٌ وخيمةٌ على الفرد والمجتمع
يُترتب على الكذب أضرارٌ جسيمةٌ على الكاذب نفسه وعلى المجتمع ككلّ.
من أبرز أضرار الكذب:
- الاتصاف بصفة النفاق، مما يُنقص من شأن الإنسان وقيمته.
- تُصبح شخصية الكاذب محلّ شكّ وتّهمةٍ بين الناس.
- يُفقد الكذب البركة والخير في المعاملات التجارية، مما يُؤدي إلى الخسارة المالية والاجتماعية.
- يُفقِد الكذب الثّقة بين الناس، ويُعقّد العلاقات الاجتماعية.
- يُغيّر الكذب الحقائق، ويُحوّل الباطل إلى حقّ والعكس، مما يُعكر صفو المجتمع.
- يُعَدّ الكذب سبباً من أسباب العذاب في يوم القيامة.
- يُحرم الكذاب من مرتبة الصديقية في الآخرة، والتي تُعدّ من أعظم مراتب الثّواب.
المراجع
- مجموعة من المؤلفين (1433). موسوعة الأخلاق الإسلامية (جزء 2، ص 484). بتصرّف.
- رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، رقم 6095، صحيح.
- سعيد القحطاني (1431). آفات اللسان في ضوء الكتاب والسُّنَّة (الطبعة 9، جزء 1، ص 45). بتصرّف.
- سورة الإسراء، آية 36
- رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن مسعود، رقم 6094، صحيح.
- سعيد القحطاني (1431). آفات اللسان في ضوء الكتاب والسُّنَّة (الطبعة 9، ص 45).
- سورة آل عمران، آية 61
- محمد صالح المنجد. سلسلة القصص (جزء 7، ص 16). بتصرّف.
- محمد صالح المنجد. دروس للشيخ محمد المنجد (جزء 255، ص 32). بتصرّف.
- رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن سمرة بن جندب، رقم 7047، صحيح.
- محمد صالح المنجد. دروس للشيخ محمد المنجد (جزء 255، ص 33). بتصرّف.
- مجموعة من المؤلفين (1433). موسوعة الأخلاق الإسلامية (جزء 2، ص 490). بتصرّف.
- مجموعة من المؤلفين (2009). فتاوى الشبكة الإسلامية (جزء 9، ص 2582). بتصرّف.
- رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أم كلثوم بنت عقبة، رقم 2605، صحيح.
- محمد التويجري (2009). موسوعة الفقه الإسلامي (الطبعة 1، جزء 2، ص 138). بتصرّف.
- ماهر الفحل. حرمة المسلم على المسلم (ص 13). بتصرّف.
- عبد المحسن القاسم (1427). خطوات إلى السعادة (الطبعة 4، ص 113). بتصرّف.