فهرس المحتويات
افتتاحية المقالة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، نحمده حمد الشاكرين ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه. نحمده سبحانه على نعمة الإسلام، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تنجينا من عذاب النار وتدخلنا الجنة. ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين، وقدوة للمتقين، وحجة على الناس أجمعين.
بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين. تركنا على طريق واضح لا يضل عنه إلا هالك. فالصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
التوصية بتقوى الله تعالى
يا أيها المسلمون، أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل في السر والعلن، فهي وصية الله للأولين والآخرين. التقوى هي امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه، وهي سبيل الفلاح والنجاة في الدنيا والآخرة. احذروا معصية الله، فإنها سبب الخسران والهلاك.
قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1].
وقال عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].
القسم الأول: أهمية التآلف
أيها الإخوة المؤمنون، إن من قوانين الحياة الثابتة أن البيت لا يستقيم إلا بأركانه المتينة، وأن السفينة لا تسير إلا بتعاون جميع من فيها. وهكذا الأمة الإسلامية، لا تعلو كلمتها ولا يتحقق نصرها إلا بالوحدة والتآلف. إذا تفرق المسلمون ضعفوا، وإذا اجتمعوا قويوا.
يجب علينا أن نكون إخوة متحابين، نتعاون على الخير وننصر المظلوم ونعين المحتاج. يجب أن نكون يداً واحدة في وجه الأعداء، وأن نحمي مقدساتنا وندافع عن ديننا. هذا ما أمرنا به الله ورسوله.
وقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- أهمية التآخي والترابط بين المؤمنين، حيث قال:(إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، وشبك أصابعه).
أمرنا الله بالتعاون على الخير والبر والإحسان، فقال: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ [المائدة: 2].
ونهانا عن التباغض والتحاسد والتدابر، وأمرنا أن نكون إخوة متحابين، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:(لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام).
لقد كان مجتمع النبي -صلى الله عليه وسلم- مجتمعاً قوياً متحداً، يصفه الله تعالى بقوله: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا﴾ [الفتح: 29].
ويقول النبي -صلى الله عليه وسلم- مبيناً قوة الترابط بين المسلمين:(المؤمنون تكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم، ويسعى بذمتهم أدناهم ألا لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد بعهده، من أحدث حدثا فعلى نفسه أو آوى محدثا، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين).
القسم الثاني: نبذ الفرقة والاختلاف
أيها المسلمون، إن أعداء الإسلام يسعون جاهدين لتفريق كلمتنا وتشتيت صفوفنا، لأنهم يعلمون أن قوتنا في وحدتنا. يجب علينا أن نكون حذرين من مكائدهم وأن ننبذ كل ما يؤدي إلى الفرقة والاختلاف.
علينا أن نتمسك بكتاب الله وسنة نبيه، وأن نعتصم بحبل الله جميعاً ولا نتفرق. يجب أن نكون متسامحين مع بعضنا البعض، وأن نحترم آراء الآخرين، وأن نتحاور بالحكمة والموعظة الحسنة.
عندما أراد أحد اليهود أن يثير الفتنة بين الأنصار، غضب النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال:(يا معشر المسلمين، الله الله، أبدعوى الجاهلية، وأنا بين أظهركم، بعد أن هداكم الله للإسلام وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر، وألف بين قلوبكم؟).
وكان من آخر وصايا النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع:(لا ترجعوا بعدي كفارا، يضرب بعضكم رقاب بعض).
الدعاء والختام
اعلموا عباد الله أن الله أمرنا بالصلاة والسلام على نبيه الكريم، فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56].
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم إنا نسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، والسلامة من كل إثم، والغنيمة من كل بر، والفوز بالجنة، والنجاة من النار.
اللهم إنا نسألك ألا تدع لنا ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته، ولا حاجة هي لك رضا إلا قضيتها.
اللهم وحد كلمة المسلمين، ووحد صفهم، واجمع شملهم، وألف بين قلوبهم، واجمعهم تحت راية وغاية واحدة.
اللهم انصر إخواننا المستضعفين في كل مكان، واجبر كسرهم، واشف مرضاهم، وآمن روعاتهم، وارحم موتاهم.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، وللمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
عباد الله، إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون، وأقم الصلاة.
المصادر والمراجع
- ابن قيم الجوزية، إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان.
- صحيح البخاري.
- سنن النسائي.
- الرحيق المختوم لصفي الرحمن المباركفوري.
- سنن ابن ماجة.