الغرض من الخلق البشري
إن وجود الإنسان في هذا الكون الفسيح ليس ضربًا من العبث أو الصدفة، بل هو جزء من خطة إلهية محكمة. فقد أنعم الله على الإنسان بالعقل والقدرة على التفكير، مما يُمكّنه من إدراك عظمة الخالق والوصول إلى حقيقة الوحدانية.
توحيد الخالق جلّ وعلا
لقد وهب الله الإنسان العقل لكي يتفكر في الكون من حوله، ويتدبر في خلقه وتكوينه، ليصل بذلك إلى الإيمان الراسخ بوحدانية الله عز وجل. وقد دعانا الله إلى ذلك صراحة في القرآن الكريم، حيث قال الله -تعالى-:
(وَلَقَد خَلَقنَا الإِنسانَ مِن صَلصالٍ مِن حَمَإٍ مَسنونٍ* وَالجانَّ خَلَقناهُ مِن قَبلُ مِن نارِ السَّمومِ* وَإِذ قالَ رَبُّكَ لِلمَلائِكَةِ إِنّي خالِقٌ بَشَرًا مِن صَلصالٍ مِن حَمَإٍ مَسنونٍ* فَإِذا سَوَّيتُهُ وَنَفَختُ فيهِ مِن روحي فَقَعوا لَهُ ساجِدينَ). [الحجر: 26-29]
وقد ذم الله -تعالى- الذين لا يستخدمون عقولهم في التفكر والتدبر، واعتبرهم في منزلة أدنى من الأنعام، لأنهم عطّلوا وظيفة العقل الأساسية وهي الوصول إلى معرفة الله. وقد قال الله -تعالى- في هذا السياق:
(وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ). [الملك: 10]
الغاية من العبادة
إن من أهم الأسباب التي خلق الله الإنسان لأجلها هي عبادته وحده لا شريك له. فالعبادة ليست مجرد أداء شعائر دينية، بل هي تحقيق للعبودية في كل جوانب الحياة، قولًا وعملًا. وقد بين الله ذلك بجلاء في قوله:
(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ). [الذاريات: 56]
تنمية الأرض طبقا لإرادة الله
بعد أن خلق الله آدم وحواء، أمرهم بالنزول إلى الأرض لعمارتها وإصلاحها، وجعل ذلك جزءًا من الغاية من خلقهم. وتتضمن هذه الغاية تحقيق عدة أمور، منها:
- إرسال الأنبياء والرسل: ليقوموا بهداية الناس وتعليمهم، وليكونوا شهداء على الأمم يوم القيامة.
- إقامة العدل والحكم: فالله هو الملك الحق، وهو الذي يحكم بين الناس بالعدل، ويأمرهم بالخير وينهاهم عن الشر.
- تمييز الخبيث من الطيب: ففي الأرض يظهر المؤمن من الكافر، والمحسن من المسيء، ليكون كل في مكانه اللائق به يوم القيامة.
- إظهار أسماء الله الحسنى: ففي الأرض تظهر آثار رحمة الله وعفوه وكرمه، ويتجلى فضله على عباده.
- تحقيق الإيمان بالغيب: فالإيمان بالغيب هو أساس الإيمان، وهو الذي يميز المؤمن عن غيره.
أهمية التقرب إلى الله
تتجلى أهمية العبادة في حياة الإنسان في عدة جوانب، منها:
- العبادة هي أساس التوحيد والإيمان: فمن وحّد الله في عبادته، فقد وحّده في خلقه ورزقه وملكه، وفي أسمائه وصفاته.
- العبادة هي الدين كله: فالعبادة لا تقتصر على الشعائر الدينية فقط، بل تشمل جميع جوانب الحياة، من آداب الطعام والشراب إلى الحكم والسياسة والاقتصاد.
- تشتمل على أركان الإسلام: حيث قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (الإسْلامُ أنْ تَشْهَدَ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وتُقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت إن استطعت إليه سبيلاً). [رواه مسلم]
- الإكثار من العبادة زمن الفتن: يعد هجرة إلى رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، وذلك لقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (الْعِبادَةُ في الهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إلَيَّ). [رواه مسلم]
المصادر
- تفسير القرآن الكريم، أبومحمد المقدم.
- مباحث في التفسير الموضوعي، مصطفى مسلم.
- شرح الأصول الثلاثة، خالد المصلح.
- دعوة الرسل عليهم السلام، أحمد غلوش.
- الإسلام أصوله ومبادؤه، أبومحمد السحيم.
- شرح رسالة العبودية لابن تيمية، عبد الرحيم السلمي.
- أوقات مليئة بالحسنات مع النية الصالحة، سمية عثمان.
- صحيح مسلم.
- أثر العبادات في حياة المسلم، عبد المحسن العباد.
- بريق المواعظ المنبرية، صالح المغامسي.