النهي عن الغدر والخيانة في الشريعة الإسلامية

نظرة شاملة حول تحريم الغدر والخيانة في الإسلام. الأسباب الكامنة وراء هذا التحريم، ودلالات الغدر والخيانة. المصادر الشرعية.

حرمة الغدر والخيانة في الإسلام

الغدر والخيانة من الأمور التي نهى عنها الإسلام بشكل قاطع، ويظهر ذلك جليًا في العديد من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة. هذه النصوص تبيّن خطورة هذه الصفات وتأثيرها السلبي على الفرد والمجتمع.

لقد حثنا الله تعالى على الوفاء بالعهود وأمرنا بالالتزام بها، وحذرنا من مغبة نقضها. يقول الله -عز وجل- في كتابه الكريم:

“(وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)”

هذه الآية الكريمة تأمر المؤمنين بالوفاء بالعهود التي قطعوها على أنفسهم، وتحذرهم من نقضها بعد توثيقها، وتذكرهم بأن الله شهيد عليهم ومراقب لأفعالهم.

وفي سياق متصل، نجد أن الله -سبحانه وتعالى- يوجه نبيه الكريم -صلى الله عليه وسلم- إلى كيفية التعامل مع الخيانة المحتملة من قبل الأقوام الذين تربطهم بالمسلمين عهود. يقول تعالى:

“(وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ)”

تشير الآية إلى أنه إذا خاف المسلمون خيانة من قوم بينهم وبينهم عهد، فإنه يجوز لهم إعلان نقض العهد بشكل صريح وعادل، حتى يكون الطرف الآخر على علم بذلك. هذا يدل على أن الإسلام يحرم نقض العهد بشكل خفي أو غادر.

كما أن أداء الأمانات هو من أعظم القيم التي حث عليها الإسلام. يقول الله تعالى:

“(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)”

تشمل الأمانات جميع الحقوق الواجبة على الإنسان، سواء كانت حقوقًا لله -عز وجل- مثل الصلاة والزكاة والصيام، أو حقوقًا للعباد، كالودائع والأسرار.

وفي السنة النبوية، وردت أحاديث كثيرة تحذر من الغدر والخيانة، وتوضح عاقبة من يتصف بهذه الصفات. فقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:

“(قالَ اللَّهُ -عز وجل-: ثَلاثَةٌ أنا خَصْمُهُمْ يَومَ القِيامَةِ: رَجُلٌ أعْطَى بي ثُمَّ غَدَر، ورَجُلٌ باعَ حُرًّا فأكَلَ ثَمَنَهُ، ورَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أجِيرًا فاسْتَوْفَى منه ولم يُعطِه أجرَه)”

هذا الحديث الشريف يبين أن الله تعالى سيكون خصمًا لمن يغدر وينقض العهد، وذلك لعظم الجرم الذي ارتكبه، حيث إنه عاهد الله ثم خان عهده.

الدوافع وراء منع الغدر والخيانة

تكمن الأسباب وراء تحريم الغدر والخيانة في الإسلام في الآثار السلبية التي تخلفها على الفرد والمجتمع. فالخيانة تعتبر من علامات النفاق، وتجلب سخط الله على العبد، وتؤدي إلى انتشار الفساد والرذيلة في المجتمع.

إن الخيانة والغدر يؤديان إلى تفكك الروابط الاجتماعية، وزعزعة الثقة بين الأفراد، ونشر العداوة والبغضاء. فالمجتمع الذي ينتشر فيه الغدر والخيانة يصبح مجتمعًا مضطربًا وغير مستقر.

أما الغدر، فهو من الصفات الذميمة التي تدل على ضعف الإيمان وقسوة القلب. فالغادر يكون بعيدًا عن هدي الكتاب والسنة، مما يجعله عرضة للضلال والانحراف. بالإضافة إلى ذلك، فإن الغدر يؤدي إلى خسائر فادحة على المستويات البدنية والنفسية والاجتماعية.

لقد تبرأ الرسول -صلى الله عليه وسلم- من أهل الغدر، لأن رسالته جاءت لتدعو إلى الوفاء والإخلاص في جميع المعاملات، سواء مع الخالق أو مع المخلوق.

توضيح دلالات الغدر والخيانة

الخيانة هي ضد الأمانة، وتعني التفريط في حقوق الآخرين، سواء كانت هذه الحقوق مادية أو معنوية، وإفشاء الأسرار وإذاعة الأخبار التي يجب كتمانها.

أما الغدر، فهو نقض العهد والإخلال به في وقت غير متوقع، وهو صفة تدل على الدناءة والخسة، وتعتبر من خصال النفاق.

وقد بين لنا الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- علامات المنافق، ومن بينها الغدر والخيانة. قال -عليه الصلاة والسلام-:

“(أَرْبَعٌ مَن كُنَّ فيه كانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، ومَن كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ منهنَّ كَانَتْ فيه خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حتَّى يَدَعَهَا: إذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وإذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وإذَا خَاصَمَ فَجَر)”

يشير هذا الحديث إلى أن هذه الخصال تشبه خصال النفاق، لأن المنافق يظهر خلاف ما يبطن، وليس المقصود هنا الكفر الظاهر والإيمان الباطن.

المصادر

  1. سورة النحل، آية:91
  2. سورة الأنفال، آية:58
  3. “ذم الغدر والنهي عنه في القرآن الكريم”،الدرر السنية
  4. سورة النساء، آية:58
  5. “الخيانة.. تعريفها.. وحكم الخائن”،اسلام ويب
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:2227، حديث صحيح.
  7. “ذم الغدر والنهي عنه في السنة النبوية”،الدرر السنية
  8. “آثار الخيانة”،الدرر السنية
  9. “آثار الغدر”،الدرر السنية
  10. مجموعة مؤلفين،الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 143.
  11. “حديث أربع من كن فيه”،الدرر السنية
  12. رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:34، حديث صحيح.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

نظرات في الغدر والخيانة: رؤى وأقوال

المقال التالي

ضوابط التشدد في الدين

مقالات مشابهة