النظر في تأجيل غسل الحيض: أحكام وآداب

حكم تأخير غسل الحيض: نظرة فقهية

الأصل في الشريعة الإسلامية أن تبادر المرأة المسلمة إلى الاغتسال فور تيقنها من الطهر. ولكن، إذا أخرت الغسل، فإن الحكم الشرعي يتوقف على سبب التأخير.

التأخير بغرض التأكد من انتهاء الحيض:

عن عائشة -رضي الله عنها-:(أنَّ النِّساءَ كنَّ يبعثنَ إليها بالدُرْجةِ فيها الكرُسُفُ فيه الصُّفرةُ من دمِ الحيضِ، فتقولُ: لا تَعجلنَ حتَّى ترَيْنَ القَصَّةَ البيضاءَ، تريدُ بذلك الطُّهرَ من الحيضِ).

ومعنى قولها (لا تعجلن) هو عدم الاستعجال في الغسل. فللمرأة أن تتأنى وتتريث حتى تتيقن من انقطاع الدم تمامًا، لأن اليقين لا يزول بالشك. والدرجة هي ما تستعمله المرأة أثناء الحيض، والكُرْسُفُ هو القطن.

ويرى بعض الفقهاء أنه من المستحب للمرأة الانتظار لمدة يوم كامل أو نصف يوم للتأكد من الطهر، لكون الدم قد ينقطع ويعود. وقد رجح ابن قدامة في المغني والشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع هذا الرأي. مع التذكير بأن المرأة ذات العادة المعروفة والمنتظمة تعمل وفق عادتها.

تأخير الغسل لعذر شرعي:

قال ابن تيمية -رحمه الله-:”لا يجوز وطء الحائض والنفساء حتى يغتسلا، فإن عدمت الماء أو خافت الضرر باستعمالها الماء لمرض أو برد شديد تتيمم وتوطأ بعد ذلك، هذا مذهب جماهير الأئمة”.

إذا وجد مانع شرعي يمنع المرأة من الغسل، كعدم وجود الماء أو الخوف من استعماله بسبب المرض، فإنها تنتقل إلى التيمم كبديل للطهارة المائية. ولكن، يجب عليها الجمع بين الغسل للأعضاء السليمة والتيمم للأعضاء المصابة، إذا أمكن ذلك.

تأخير الغسل بدون عذر شرعي:

قال ابن عباس -رضي الله عنهما-:(إذا رأتِ الطُّهرَ ولو ساعةً فلتَغتَسِلْ وتصلِّي).

بمجرد رؤية المرأة للطهر، تصبح طاهرة ويجب عليها الاغتسال وأداء الصلاة والصيام، سواء كان ذلك في وقت العادة أو بعد انتهائها. ولا يجوز تأخير الغسل حتى يخرج وقت الصلاة، تفادياً للوقوع في الإثم.

الغسل من الحيض في ضوء القرآن والسنة

لقد أكدت الشريعة الإسلامية على أهمية الغسل من الحيض والنفاس، وهناك العديد من الأدلة في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة التي تؤكد ذلك:

من القرآن الكريم:

قال تعالى:(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّـهُ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ).

المحيض هو السيلان، وقد نهى الله المؤمنين عن مباشرة النساء – أي الجماع – في زمن الحيض، حتى يطهرن، أي ينقطع الدم ويغتسلن، ليتمكن من أداء العبادات الشرعية المطلوبة.

من السنة النبوية:

عن عائشة -رضي الله عنها-:(أنَّ فَاطِمَةَ بنْتَ أبِي حُبَيْشٍ، سَأَلَتِ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قالَتْ: إنِّي أُسْتَحَاضُ فلا أطْهُرُ، أفَأَدَعُ الصَّلَاةَ، فَقالَ: لا إنَّ ذَلِكِ عِرْقٌ، ولَكِنْ دَعِي الصَّلَاةَ قَدْرَ الأيَّامِ الَّتي كُنْتِ تَحِيضِينَ فِيهَا، ثُمَّ اغْتَسِلِي وصَلِّي).

علامات الطهر: متى ينتهي الحيض؟

باب الحيض من الأمور التي تختلف فيها النساء، لذا يجب على المرأة المسلمة أن تعرف علامات الطهر الخاصة بها. وقد ذكر الفقهاء العلامات التالية:

1. الجفوف: وهو خروج الخرقة جافة، بمعنى ألا تتغير الخرقة إذا أدخلت في موضع الحيض.
2. القصة البيضاء: وهي سائل أبيض كالجير يخرج بعد انقطاع الدم، ولكن بعض النساء قد لا يرين هذا السائل.

والأصل أن تعتمد المرأة على ما تعودت عليه من علامات الطهر، فالنساء أعرف بذلك من غيرهن.

وقد قال بعض السلف: “إذا سئل عن الحيض، قال: ارجع إلى امرأتك لأن النساء أعرف منا بذلك”.

محظورات الحيض: ما الذي لا يجوز للحائض؟

تعددت آراء الفقهاء في الأمور التي تحرم على الحائض، وأهمها:

• الصلاة: أجمع الفقهاء على أن الصلاة تسقط عن الحائض ولا يجب عليها قضاؤها.
• الصوم: يحرم على الحائض الصوم ولا يصح منها، ويجب عليها قضاء ما فاتها من صيام الفريضة.
• الطواف: اتفق الفقهاء على أن الحيض يمنع الطواف فقط من مناسك الحج والعمرة.
• قراءة القرآن: مختلف فيه بين الفقهاء، والراجح جواز التسبيح والتهليل والأذكار الأخرى.
• مس المصحف وحمله: تعددت فيه آراء الفقهاء.
• المكث في المسجد: يجوز العبور بغير مكث ما لم تخف تلويث المسجد.
• وطء الحائض في الفرج: حرام بالإجماع.
• الطلاق: يقع الطلاق في الحيض عند جمهور الفقهاء مع كونه محرما.
• الاعتكاف: لا يصح الاعتكاف من الحائض والنفساء.

واتفق الفقهاء على أن الحيض علامة من علامات بلوغ الصبية.

واتفقوا على أن الحيض يمنع صحة غسل العبادة، أما الاغتسال للنظافة (الاستحمام) فلا حرج فيه.

جمهور الفقهاء يرون أن سجود التلاوة والشكر من جنس الصلاة، فيحرمان على الحائض، والله أعلم.

المراجع

1. (رواه الإمام النووي، في خلاصة الأحكام، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1/233، صحيح وذكره البخاري تعليقا)
2. (ابن عبد البر القرطبي (2000)،الاستذكار(الطبعة 1)، بيروت:دار الكتب العلمية، صفحة 325، جزء 1)
3. (محمد الزرقاني (2003)،شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك(الطبعة 1)، القاهرة:مكتبة الثقافة الدينية، صفحة 232، جزء 1. بتصرّف.)
4. (شمس الدين أبو الفرج ابن قدامة (1995)،الشرح الكبير(الطبعة 1)، القاهرة:هجر للطباعة والنشر، صفحة 474، جزء 2)
5. (أبالموفق ابن قدامة المقدسي (1997)،المغني(الطبعة 3)، الرياض:دار عالم الكتب، صفحة 437، جزء 1)
6. (ابن العثيمين،الشرح الممتع على زاد المستقنع(الطبعة 1)، الرياض:دار ابن الجوزي، صفحة 500، جزء 1)
7. (ابن تيمية (1995)،مجموع الفتاوى، المدينة النبوية:مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، صفحة 635، جزء 21)
8. (محمد العثيمين،رسالة في الدماء الطبيعية للنساء(الطبعة 1)، صفحة 38. بتصرّف.)
9. (محمد بن أحمد الدسوقي،حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، صفحة 166، جزء 1. بتصرّف.)
10. (رواه الشيخ الألباني، في صحيح أبي داود، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:286، صحيح.)
11. (سورة البقرة، آية:222)
12. (محمد طنطاوي (1997)،التفسير الوسيط للقرآن الكريم(الطبعة 1)، القاهرة:دار نهضة مصر، صفحة 494-497، جزء 1. بتصرّف.)
13. (رواه الإمام البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:325، صحيح.)
14. (دبيان الدبيان،موسوعة أحكام الطهارة(الطبعة 3)، صفحة 388، جزء 8. بتصرّف.)
15. (ابن عثيمين،تعليقات ابن عثيمين على الكافي لابن قدامة، صفحة 230.)
16. (عبد الرحمن الجزيري (2003)،الفقه على المذاهب الأربعة(الطبعة 2)، بيروت:دار الكتب العلمية، صفحة 123-124، جزء 1. بتصرّف.)
17. (أبمجموعة مؤلفين،الموسوعة الفقهية الكويتية(الطبعة 2)، الكويت:وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، صفحة 319-320، جزء 18. بتصرّف.)
18. (أبمجموعة مؤلفين،الموسوعة الفقهية الكويتية(الطبعة 2)، الكويت:وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية، صفحة 312-315، جزء 18. بتصرّف.)