مقدمة
للصحابة الكرام مكانة عظيمة في الإسلام، فهم الجيل الذي عايش النبي -صلى الله عليه وسلم- ونهل من علمه، وشهدوا معه نزول الوحي، وضحوا بكل ما يملكون في سبيل الله. لذلك، فإنّ المساس بهم أو النيل منهم يعتبر أمرًا خطيرًا يستوجب التوضيح وبيان الحكم الشرعي فيه. هذا المقال يهدف إلى استعراض آراء المذاهب الفقهية الأربعة في حكم من يسب الصحابة، وحكم تكفيرهم، وحكم الإساءة إليهم تحت الإكراه.
آراء المذاهب الفقهية في سب الصحابة
لقد اختص الله تعالى صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بفضائل جمة، وميّزهم عن غيرهم من الناس، لكونهم ناصروا النبي -صلى الله عليه وسلم- وآزروه، وهم الذين زكاهم الله في كتابه العزيز. وقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قوله: “خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي”. واختلف العلماء في حكم من يسب الصحابة -رضوان الله عليهم- على النحو التالي:
- الرأي الأول: يرى بعض العلماء أن من سب الصحابة أو طعن في عدالتهم أو انتقص من قدرهم، فقد كفر، وإذا أصر على ذلك استحق القتل. وقد ذهب إلى هذا القول عدد من الصحابة والتابعين وكبار العلماء، منهم عبد الرحمن بن أبزى والأوزاعي وابن عيينة وأبو بكر بن عياش وغيرهم. وقد تبعهم على ذلك العديد من أتباع المذاهب الفقهية من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، وأضافوا أن عقوبة من يفعل ذلك هي القتل. وقد قال ابن تيمية -رحمه الله-: “وقد قطع طائفة من الفقهاء من أهل الكوفة وغيرهم؛ بقتل من سبّ الصحابة”.
- الرأي الثاني: يرى فريق آخر من العلماء أن من سب الصحابة لا يكفر، وإنما يضلل ويفسق، ولا يعاقب بالقتل، بل يعزر ويعاقب عقوبة شديدة، مع تكرار العقوبة حتى يتوب ويرجع عن قوله. وتبقى العقوبة قائمة ما دام مصراً على قوله حتى يتوب. وقد ذهب إلى هذا القول عمر بن عبد العزيز والإمام مالك والإمام أحمد وغيرهم.
حكم تكفير صحابة رسول الله
لقد أثنى الله -سبحانه وتعالى- على صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في كتابه الكريم، وشهد لهم بالفضل والإيمان، ووعدهم بالجنة. قال تعالى: “لَّقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ”. وعليه، فإن تكفير الصحابة يعتبر ردة عن الإسلام، وذلك للأسباب التالية:
- تكفير الصحابة هو تكفير للذين نقلوا لنا القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، مما يؤدي إلى الشك في صحة النصوص الشرعية.
- تكذيب النصوص الشرعية التي تدل على رضا الله عنهم ومدحه لهم، وهذه النصوص قطعية الثبوت والدلالة، ومن كذبها فقد كفر.
- الطعن في صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يؤذي النبي -صلى الله عليه وسلم- ويضره، فهم أصحابه وأهله وخير من تبعه.
حكم الإساءة للصحابة تحت الضغط والإجبار
إذا أُجبر شخص على سب الصحابة -رضوان الله عليهم- وهُدّد بالقتل وكان يعلم أن من هدده قادر على تنفيذ وعيده، فإنه يجوز له أن ينطق بسب الصحابة بلسانه فقط، ولا إثم عليه في ذلك. وذلك لقول الله تعالى: “مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعدِ إيمانِهِ إِلّا مَن أُكرِهَ وَقَلبُهُ مُطمَئِنٌّ بِالإيمانِ”. وقد روي عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “إنَّ اللهَ تجاوَز عنْ أُمَّتي الخطأَ والنِّسيانَ وما استُكرِهوا عليه”.
المصادر
- سعد البريك، دروس الشيخ سعد البريك.
- رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن مسعود.
- دياب الغامدي، تسديد الإصابة فيما شجر بين الصحابة.
- عمر العيد، شرح لامية ابن تيمية.
- مجموعة من المؤلفين، الموسوعة العقدية.
- مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الإسلامية.