جدول المحتويات
جوهر النظرة المتفائلة في الإسلام
إنّ مفهوم النظرة المتفائلة هو من المفاهيم المعاصرة التي ظهرت في الآونة الأخيرة، ومع ذلك، يحمل الدين الإسلامي في طياته معانيَ وأبعادًا مرتبطةً بهذا المفهوم. فيما يلي توضيح للمعنى الاصطلاحي للتفاؤل:
- الطاقة: هي عبارة عن النشاط الذي يؤدي إلى إحداث حركة سواء كانت جسدية أو عقلية.
- الإيجابية: هي الحماس الذي ينبع من الثقة بحدوث الأشياء الجميلة، وذلك من أجل التكيف مع الواقع والسعي إلى تحسينه، وتمثل الإيجابية الدافع الذي يزيد من طاقة الإنسان للقيام بعمل بهدف الوصول إلى هدف معين على الرغم من التحديات.
من الخصائص الأساسية للإسلام، عقيدة وشريعة وثقافة، أنه دين إيجابي. وذلك لأن الإنسان هو عبد لله الذي يتصف بالأسماء الحسنى والصفات العليا، وكل أسماء الله وصفاته تتسم بالإيجابية والفاعلية الكاملة.
تكتمل معاني الإيجابية عندما يحقق المسلم في حياته قول الله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام: 162-163].
حثّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- على الإيجابية في مواقف عديدة، ومنها قوله: (إنْ قامَتِ الساعةُ وفي يدِ أحدِكمْ فَسِيلةٌ، فإنِ استطاعَ أنْ لا تقومَ حتى يَغرِسَها فلْيغرِسْهَا) [رواه الألباني، في صحيح الجامع].
سمات الشخصية المسلمة المتفائلة
يمكن استخلاص صفات المسلم المتفائل من آيات سورة العصر، حيث قال الله تعالى: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) [العصر: 1-3].
الإنسان في خسارة محققة إلا إذا التزم بالصفات المذكورة في هذه السورة الكريمة، والتي تمثل في الواقع سمات الشخصية المسلمة المتفائلة. وفيما يلي تفصيل لهذه السمات:
- الإيمان بالله عز وجل: الإيمان بالله هو أساس النظرة المتفائلة، لأنه يطرد كل الطاقات السلبية والصفات السيئة من القلب، ويحل محلها السكينة والرضا.
- العمل الصالح: ويشمل جميع الأعمال الصالحة على اختلاف أنواعها، الظاهرة والباطنة، وما يتعلق منها بحق الله تعالى أو بحقوق العباد.
- التواصي بالحق: وهي صفة تدفع الإنسان إلى أن يكون إيجابيًا تجاه الآخرين من خلال دعوتهم إلى الخير ومساعدتهم عليه.
- التواصي بالصبر على طاعة الله: من خلالها تتجسد معاني تماسك المجتمع وتعاضده، حيث يشارك الجميع في فعل كل ما هو جميل وإيجابي، والابتعاد عن كل ما هو سلبي ويعكر صفو الدين والحياة.
التحفيز على الإيجابية في الإسلام
حث الإسلام على النظرة المتفائلة من خلال غرس عدد من المفاهيم والصفات في نفس المسلم، والتي من شأنها أن ترفع من همته، وتغير نظرته من التشاؤم والسلبية تجاه نفسه والآخرين والأحداث، إلى الإيجابية والثقة والتفاؤل. فيما يلي ذكر لجملة من هذه الصفات التي دعا الإسلام إليها.
التفاؤل والثقة في الله
معنى الثقة في الله -تعالى- أن يغلب على تفكير المسلم وظنه أن الله تعالى سيرحمه، مع رجائه في نيل تلك الرحمة، وأن يتدبر ويتفكر في الآيات والأحاديث الواردة في رحمة الله وعفوه وكرمه، وما وعد به المؤمنين، وما يمنحه لهم من الرحمة يوم القيامة، مع الأخذ بالأسباب التي اقتضتها حكمة الله في شرعه وقدره وثوابه وكرامته.
التحلي بالصبر عند الشدائد والرضا بالقدر
لم يحدد الله -عز وجل- ثواب الصبر بل جعله بغير حساب، فقال الله تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) [الزمر: 10].
فالمصائب مقدرة حتمًا، وستقع ما دام الله -عز وجل- قد قدر لها أن تقع، صحيح أن هناك أسبابًا، وأن علينا أن نسعى قدر الإمكان لمنع الكوارث والمصائب، لأن الله -عز وجل- أمرنا بالسعي وبأخذ الأسباب.
ولا شك في أن للصبر مقامًا رفيعًا، وطاعة يحبها الله -عز وجل- ويحب أهلها، كما قال -تعالى-: (وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) [آل عمران: 146].
والصبر واجب حتمًا، أما الرضا فهو أعلى رتبة منه، وجزاؤه رضا الله -عز وجل- الذي هو أكبر من جنة الله عز وجل.
إظهار الشكر عند اليسر
قال الله تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) [إبراهيم: 7].
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له) [رواه مسلم، في صحيح مسلم].
فالمسلم المتفائل لا ينسى شكر ربه في حالات الرخاء وكثرة النعم.
الدعوة إلى الأمل والتحذير من اليأس
قال تعالى: (وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) [يوسف: 87].
ودعا إلى عدم القنوط من رحمة الله -تعالى- بسبب كثرة المعاصي، بل إن رحمة الله تعالى ومغفرته أوسع من معاصي العبد، كما قال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر: 53].