المحتويات |
---|
مقدمة |
الحكم العام في مسألة ضرب الزوجة |
الظروف المبيحة لضرب الزوجة |
اشتراطات إباحة ضرب الزوجة |
مسؤوليات الزوج تجاه زوجته |
خلاصة القول |
مقدمة
تعتبر العلاقة الزوجية من أسمى العلاقات الإنسانية، وقد حث الإسلام على إقامتها على أسس من المودة والرحمة. في هذا المقال، سنتناول بالبحث والتحليل مسألة حساسة وهي ضرب الزوجة، وذلك من منظور الشريعة الإسلامية، مع توضيح الأحكام المتعلقة بها، والظروف التي قد تجيزها، والشروط التي يجب مراعاتها.
الحكم العام في مسألة ضرب الزوجة
أجمع علماء الفقه على أن الأصل في العلاقة الزوجية هو اللين والمعاملة الطيبة، وأن الضرب ليس هو الحل الأمثل للمشاكل الزوجية. فالزوج مطالب بمعاشرة زوجته بالمعروف والإحسان إليها. قال الله -تعالى-:(وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا). المعاشرة بالمعروف تعني الاحترام المتبادل، والتفاهم، وتجنب كل ما يؤذي الزوجة نفسيًا أو جسديًا. وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:(أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلُقًا، وخيارُكم خيارُكم لنسائِهم). وهذا الحديث الشريف يؤكد على أهمية حسن الخلق في التعامل مع الزوجة.
وبناءً على ذلك، يحرم على الزوج إيذاء زوجته بأي شكل من الأشكال، سواء كان ذلك بالقول أو بالفعل، ولا يجوز له ضربها إلا في حالة استثنائية وضمن ضوابط محددة، سيتم تفصيلها لاحقًا.
الظروف المبيحة لضرب الزوجة
أجاز بعض الفقهاء ضرب الزوجة في حالة واحدة فقط، وهي حالة النشوز. والنشوز يعني عصيان الزوجة لزوجها في الأمور الواجبة عليها شرعًا، مثل الخروج من المنزل بدون إذنه، أو الامتناع عن الفراش بدون عذر شرعي مقبول.
وقد حرّم الفقهاء نشوز الزوجة لما له من آثار سلبية على العلاقة الزوجية واستقرار الأسرة. ويرى الفقهاء أن النشوز يتحقق عندما تخرج المرأة عن طاعة زوجها في الأمور التي أوجبها الله عليها، كأن تمنعه من الاستمتاع بها أو تترك المنزل دون إذنه.
يجدر التنبيه هنا، إلى أن إباحة التأديب في هذه الحالة، ليست واجبة، بل هي جائزة بشروط وضوابط معينة، سيتم توضيحها في الفقرة التالية.
اشتراطات إباحة ضرب الزوجة
عند وقوع النشوز من الزوجة، لا يجوز للزوج أن يلجأ إلى الضرب مباشرة، بل يجب عليه اتباع خطوات محددة للتأديب. أولًا، يجب عليه وعظها وتذكيرها بحقوقه عليها، وبيان عواقب النشوز في الدنيا والآخرة. فإن استجابت الزوجة وتراجعت عن نشوزها، فلا يجوز للزوج هجرها أو ضربها.
أما إذا لم تستجب الزوجة للوعظ، فيجوز للزوج هجرها في الفراش، وذلك بالامتناع عن النوم معها. فإن استجابت الزوجة بعد الهجر، فلا يجوز له ضربها.
وإذا لم تستجب الزوجة للوعظ والهجر، فيجوز للزوج ضربها ضربًا غير مبرح، بشرط أن يكون ذلك بهدف الإصلاح لا الانتقام. قال الله -تعالى-:(وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا). يجب أن يكون الضرب خفيفًا، لا يسبب أذى أو جروحًا، وأن يتجنب الوجه والأماكن الحساسة في الجسم. وقد شبهه بعض العلماء بالضرب بالسواك أو المنديل الملفوف.
مع ذلك، يرى كثير من العلماء أن الأفضل للزوج أن يتجنب الضرب تمامًا، وأن يلجأ إلى وسائل أخرى للإصلاح، مثل الحوار والتفاهم، أو الاستعانة بأهل الخير والحكمة. وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-:(اتَّقُوا اللَّهَ في النِّسَاءِ، فإنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بكَلِمَةِ اللهِ، وَلَكُمْ عليهنَّ أَنْ لا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فإنْ فَعَلْنَ ذلكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غيرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ علَيْكُم رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بالمَعروفِ).
مسؤوليات الزوج تجاه زوجته
للزوجة حقوق على زوجها يجب عليه الوفاء بها، ومن أهمها:
- المهر: يجب على الزوج دفع المهر المتفق عليه للزوجة، سواء كان معجلًا أو مؤجلًا. قال الله -تعالى-:(وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً).
- النفقة: يجب على الزوج أن ينفق على زوجته، ويوفر لها المسكن والمأكل والملبس والعلاج. قال الله -تعالى-:(وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ). وقال تعالى:(الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ).
- المعاشرة بالمعروف: يجب على الزوج أن يعاشر زوجته بالمعروف، وأن يحترمها ويقدرها، وأن يوفر لها الأمن والاستقرار. قال الله -تعالى-:(وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيراً).
- الإعفاف: يجب على الزوج أن يعف زوجته، وأن يحقق لها الإشباع العاطفي والجنسي، حتى لا تقع في الحرام.
خلاصة القول
في الختام، يجب التأكيد على أن الأصل في العلاقة الزوجية هو المودة والرحمة، وأن الضرب ليس هو الحل الأمثل للمشاكل الزوجية. وقد أباح بعض الفقهاء ضرب الزوجة في حالة النشوز، ولكن بشروط وضوابط صارمة، وبعد استنفاد جميع الوسائل الأخرى للإصلاح. والأفضل للزوج أن يتجنب الضرب تمامًا، وأن يلجأ إلى الحوار والتفاهم لحل المشاكل الزوجية.