الخصال الإنسانية
لقد فُطر الإنسان على سمات وخصائص فريدة تميزه عن سائر المخلوقات، وتجعله قادراً على إحداث تغييرات جذرية في مسيرة التاريخ. أولئك الذين تركوا بصمة واضحة في التاريخ، كانوا يتمتعون بصفات استثنائية نادرة الوجود.
من أبرز هذه الصفات التي تمنح الإنسان قيمة عظيمة وتحقق إنسانيته، صفتان أساسيتان هما: النزاهة والرسوخ. لكل من هاتين الصفتين جوانب متعددة وتجليات مختلفة سنتناولها بالتفصيل.
مفهوم النزاهة
النزاهة، بمفهومها الشائع، تعني مطابقة القول للحقيقة. إلا أن النزاهة تحمل معاني أعمق وأوسع من ذلك بكثير. فهي تشمل التمسك بالأخلاق الحميدة، وتجسيد الأقوال بالأفعال، وإظهار ما في الباطن دون إخفاء بدافع المصلحة أو التقرب الزائف إلى شخص أو فئة معينة، كما يفعل المنافقون الذين يتركون انطباعاً سلبياً للغاية.
الصدق مع الذات هو أحد أهم أنواع النزاهة، فهو يحقق للإنسان تناغماً داخلياً يساعده على الارتقاء بنفسه وروحه، وتحديد نقاط الضعف لديه، والعمل الجاد على معالجتها وتصحيحها. فإذا فقد الإنسان صدقه مع نفسه، فسيصبح تائهاً حائراً، عاجزاً عن مراجعة الذات وتقييمها بشكل بناء بهدف تحسينها.
تعريف الرسوخ
للرسوخ أيضاً تطبيقات وأشكال مختلفة وهامة، وأبرزها الثبات على المبدأ والموقف. يتطلب الرسوخ قوة داخلية كبيرة، وروحاً عظيمة، ونفساً تواقة للخروج من الواقع المرير إلى آفاق الحرية والرقي. الثبات على المبدأ يعني كل شيء باستثناء التمسك بالباطل والمواقف الشريرة، لأن ذلك يتحول إلى عناد ومكابرة يؤديان إلى هلاك الفرد وتدهوره.
قال تعالى: “يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ” (إبراهيم: 27).
وروى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “بادروا بالأعمال فتناً كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا”.
الترابط بين النزاهة والرسوخ
قد يتبادر إلى الذهن للوهلة الأولى عدم وجود علاقة واضحة بين هاتين الصفتين الهامتين. إلا أن الواقع يشير إلى عكس ذلك، فالرسوخ على الفكرة أو المبدأ أو الموقف ينتج عن النزاهة بالدرجة الأولى، خاصة النزاهة مع النفس. فإذا خدع الإنسان نفسه وحاول تبني فكرة غير مقتنع بها، فإنه سيكون كالريشة في مهب الريح. أما عندما يختار الإنسان أفكاره ومبادئه عن قناعة وعلم راسخَين فإنه حتماً سيثبت مهما كانت الصعوبات التي تواجهه.
في هذا العصر الذي تكثر فيه المظالم، وتعاني فيه الشعوب من المآسي والحروب والمشاكل الاجتماعية، يصبح لزاماً على الأفراد في كل مكان السعي الدائم وراء الحقيقة، ثم النزاهة مع النفس في تبني الأفكار والمبادئ، والثبات عليها طالما وجدت القناعة التامة بصلاحيتها وصحتها. أما إذا تبين زيف الفكرة أو المبدأ، فمن الضروري العدول عنها مباشرة وإعادة البحث من جديد.