مقدمة
إن فكرة تقمص الأرواح أو انتقالها تعد من بين المعتقدات المنتشرة بشكل خاص في الديانات الشرقية، لا سيما في الديانة الهندوسية. يمثل تقمص الأرواح أحد الركائز الأساسية في معتقداتهم الدينية، حيث يشمل جميع الكائنات الحية وليس الإنسان فقط. سنتناول فيما يلي شرحًا لهذا المفهوم وعرضًا لحكم الإسلام فيه، بالإضافة إلى نظرة موجزة عن الروح في الإسلام.
تفسير مفهوم تقمص الأرواح
يشير تقمص الأرواح إلى الاعتقاد بأن روح المتوفى تنتقل بعد الموت إلى جسد آخر. وفقًا لهذا الاعتقاد، إذا كان المتوفى صالحًا، فإن روحه تنتقل إلى جسد شخص صالح آخر، وذلك تكريمًا له على أعماله الحسنة. أما إذا كان المتوفى فاسدًا، فإن روحه تنتقل إلى جسد شخص فاسد آخر أسوأ منه، أو حتى إلى جسد حيوان مثل الكلب، وذلك عقابًا له على سوء أفعاله.
يعتقد الهندوس أنه يجب على الفرد أن يقوم بأعمال صالحة ليستمر في التنقل من جسد صالح إلى آخر، حتى تتحرر روحه من دائرة التكرار وتتحد مع إله الهندوس “براهما”. هذا الاعتقاد يعتبر باطلاً وغير مقبول في الإسلام.
الرأي الإسلامي في تقمص الأرواح
تعتبر عقيدة تقمص الأرواح باطلة ومرفوضة في الإسلام، وذلك لمخالفتها الصريحة للنصوص الصحيحة في القرآن الكريم والسنة النبوية. فالروح في الإسلام لا تنتقل من جسد إلى آخر، وكل روح تختص بصاحبها، سواء كان صالحًا أو غير ذلك.
لا يوجد أي دليل شرعي على هذه العقيدة، فالأصل في المسائل الغيبية هو الاعتماد على الدليل الصحيح الذي يؤكدها. عقيدة تقمص الأرواح تفتقر إلى أي دليل من القرآن أو السنة. فالروح بعد الموت مصيرها إما الجنة أو النار ولا يوجد انتقال لأي روح إلى جسد آخر.
الروح في المنظور الإسلامي
للروح في الإسلام مسار واضح كما بينته السنة النبوية. لا نعرف عن الروح إلا بالقدر الذي أخبرنا به الله تعالى، حيث قال: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً﴾.
تبدأ رحلة الروح منذ اللحظات الأولى لتكوين الجنين، كما ورد في الحديث الشريف: (أنَّ خَلْقَ أحَدِكُمْ يُجْمَعُ في بَطْنِ أُمِّهِ أرْبَعِينَ يَوْمًا أوْ أرْبَعِينَ لَيْلَةً، ثُمَّ يَكونُ عَلَقَةً مِثْلَهُ، ثُمَّ يَكونُ مُضْغَةً مِثْلَهُ، ثُمَّ يُبْعَثُ إلَيْهِ المَلَكُ، ثُمَّ يَنْفُخُ فيه الرُّوحَ). هذا الحديث يوضح بداية الروح وليس وجودها السابق في جسد آخر.
أما عن مصير الروح بعد خروجها من الجسد، فإما أن تكون في نعيم إذا كانت الروح لعبد مؤمن، كما في قوله -صلى الله عليه وسلم-: (ثمَّ يجيءُ ملَكُ الموتِ حتَّى يجلِسَ عندَ رأسِهِ فيقولُ: يا أيَّتُها النَّفسُ الطَّيِّبةُ اخرُجي إلى مغفِرةٍ منَ اللَّهِ ورِضوانٍ، فيَصعدونَ بِها حتَّى ينتَهوا بِها إلى السَّماءِ فيستفتِحونَ لهُ فيُفتَحُ لهُ، حتَّى ينتَهى بِها إلى السَّماءِ الَّتي فيها اللهُ، فيقولُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: اكتُبوا كتابَ عبدي في علِّيِّينَ وأعيدوهُ إلى الأرضِ، فإنِّي منْها خلقتُهم، وفيها أعيدُهم، ومنْها أخرجُهم تارةً أخرى).
وإما أن تكون في عذاب وجحيم إذا كانت الروح لكافر، وهذا ما بينه النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: (وإنَّ العبدَ الْكافرَ نزلَ إليْهِ منَ السَّماءِ ملائِكةٌ سودُ الوجوهِ معَهمُ المسوحُ فيجلِسونَ منْهُ مدَّ البصرِ، ثمَّ يجيءُ ملَكُ الموتِ فيقولُ: أيَّتُها النَّفسُ الخبيثةُ اخرُجي إلى سخطٍ منَ اللَّهِ وغضبٍ، فيصعدونَ بِها، حتَّى يُنتَهى بهِ إلى السَّماءِ الدُّنيا فيُستفتَحُ لَه فلا يُفتحُ لَه فيقولُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: اكتبوا كتابَهُ في سجِّينٍ في الأرضِ السُّفلى، فتطرحُ روحُهُ طرحًا).
يتضح من النصوص الشرعية أن مسار الروح في الإسلام واضح ومحدد، بدءًا من الرحم وصولًا إلى الجنة أو النار مرورًا بالقبر، ولا يوجد أي انتقال إلى جسد آخر. هذا يؤكد بطلان عقيدة تقمص الأرواح في الإسلام.
المصادر
- جامعة المدينة،الأديان الوضعية، صفحة 48. بتصرّف.
- اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء،فتاوى اللجنة الدائمة المجموعة الأولى، صفحة 435. بتصرّف.
- مجموعة من المؤلفين،الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة، صفحة 1293. بتصرّف.
- أحمد شلبي (2000)،أديان الهند الكبرى(الطبعة 11)، مصر:مكتبة النهضة المصرية، صفحة 61، جزء 1. بتصرّف.
- سورة الإسراء ، آية:85
- رواه البخاري ، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن مسعود ، الصفحة أو الرقم:7454 ، صحيح.
- رواه الألباني ، في صحيح الجامع، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم:1676 ، صحيح.