المنع الشرعي للربا في الإسلام

نظرة شاملة حول تحريم الربا في الشريعة الإسلامية، مع استعراض الأدلة من القرآن والسنة والإجماع، بالإضافة إلى استكشاف الحكمة من وراء هذا التحريم وتأثيره على العقود.

حظر الربا في الإسلام

يعتبر التعامل بالربا من المحرمات القطعية في الدين الإسلامي. لقد جاءت نصوص واضحة في كل من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة تؤكد هذا التحريم. كما أن علماء المسلمين على مر العصور اتفقوا إجماعاً على حرمة الربا بجميع أشكاله وصوره. فيما يلي، سنعرض الأدلة الشرعية التي تثبت حرمة الربا:

براهين تحريم الربا من القرآن الكريم

وردت آيات قرآنية عديدة تدل بوضوح على تحريم الربا، ومن بينها:

  • ذم الله سبحانه وتعالى الربا واعتبره مخالفاً للفطرة السليمة، بينما استحسن الزكاة وأثنى عليها. قال تعالى: (وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّـهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّـهِ فَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) [الروم: 39].

  • تحريم الربا بشكل قاطع والتحذير من عواقبه الوخيمة، من خلال قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ*وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ*وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [آل عمران: 130-132].

  • بيان شناعة فعل أكل الربا وعاقبة مرتكبيه في الآخرة، حيث قال تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّـهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّـهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [البقرة: 275]. هذه الآية توضح الفرق الجوهري بين البيع والربا، وتؤكد أن أي زيادة على رأس المال تعتبر محرمة.

أدلة التحريم من السنة النبوية

لم تقتصر الأدلة على تحريم الربا على القرآن الكريم فقط، بل جاءت السنة النبوية لتؤكد هذا التحريم وتفصل أنواعه. بعض الأحاديث النبوية شرحت الربا المحرم في القرآن، وأحاديث أخرى حرمت أنواعاً لم تذكر في القرآن. من هذه الأحاديث:

  • تأكيد النبي صلى الله عليه وسلم على تحريم الربا في خطبة الوداع، حيث قال: (أَلَا وإنَّ كلَّ رِبًا في الجاهِلِيَّةِ موضوعٌ، لكم رؤوسُ أموالِكم لا تَظْلِمُونَ ولا تُظْلَمُونَ غَيْرَ رِبَا العباسِ بنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ فإنه موضوعٌ كُلُّهُ) [رواه الترمذي].

  • تشديد النبي صلى الله عليه وسلم على تحريم ربا النسيئة، حيث قال: (أَلا إنَّما الرِّبا في النَّسِيئَةِ) [رواه مسلم]. ربا النسيئة هو الزيادة المشروطة مقابل تأجيل السداد.

  • تحريم ربا البيوع، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (الذَّهَبُ بالذَّهَبِ، والْفِضَّةُ بالفِضَّةِ، والْبُرُّ بالبُرِّ، والشَّعِيرُ بالشَّعِيرِ، والتَّمْرُ بالتَّمْرِ، والْمِلْحُ بالمِلْحِ، مِثْلًا بمِثْلٍ، سَواءً بسَواءٍ، يَدًا بيَدٍ، فإذا اخْتَلَفَتْ هذِه الأصْنافُ، فَبِيعُوا كيفَ شِئْتُمْ، إذا كانَ يَدًا بيَدٍ) [رواه مسلم]. هذا الحديث يبين أن بيع الأصناف المذكورة يجب أن يكون متماثلاً ومتقابضاً في مجلس العقد إذا اتحد الجنس.

الاجماع كدليل على التحريم

أجمعت الأمة الإسلامية من السلف الصالح والعلماء على حرمة الربا بجميع أنواعه وأشكاله. هذا الإجماع يعتبر دليلاً قاطعاً على تحريم الربا في الشريعة الإسلامية.

الغاية من منع الربا

على المسلم أن يطيع أوامر الله سواء علم الحكمة منها أم لم يعلم، قال تعالى:(إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّـهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [النور: 51]. ومع ذلك، سعى العلماء لبيان بعض الحكم من تحريم الربا، منها:

  • الحد من مظاهر الإسراف والترف الزائد، وتجنب المبالغة في استهلاك السلع الأساسية.

  • الحفاظ على أموال الناس ومنع الغش والاحتيال في المعاملات.

  • منع الاحتكار الذي قد ينتج عن تداول أصناف معينة بطريقة غير عادلة.

  • تشجيع استخدام النقود كوسيلة للتبادل، حيث أن الربا يعيق المعاملات المالية السليمة.

  • سد الذرائع المؤدية إلى الوقوع في أنواع أخرى من الربا.

  • منع الظلم وأكل أموال الناس بالباطل، حيث أن الربا يمثل أخذ المال بدون وجه حق.

  • تشجيع العمل والكسب الحلال من خلال التجارة والزراعة والصناعة وغيرها.

  • الحث على فعل الخير والمعروف بين الناس، فالربا يقطع أواصر التراحم والتعاون.

تأثير الربا على المعاملات

اختلف العلماء في حكم البيع الذي خالطه الربا، وذهبوا إلى قولين:

  1. القول الأول: بطلان العقد الربوي وهو رأي جمهور العلماء من الشافعية والمالكية والحنابلة. يرون أن العقد يفسخ ولا يجوز بأي حال، لأن الربا محرم والنهي يدل على التحريم. واستدلوا بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (جَاءَ بلَالٌ بتَمْرٍ بَرْنِيٍّ، فَقالَ له رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: مِن أَيْنَ هذا؟ فَقالَ بلَالٌ: تَمْرٌ كانَ عِنْدَنَا رَدِيءٌ، فَبِعْتُ منه صَاعَيْنِ بصَاعٍ لِمَطْعَمِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقالَ رَسولُ اللهِ عِنْدَ ذلكَ: أَوَّهْ عَيْنُ الرِّبَا، لا تَفْعَلْ، وَلَكِنْ إذَا أَرَدْتَ أَنْ تَشْتَرِيَ التَّمْرَ فَبِعْهُ ببَيْعٍ آخَرَ، ثُمَّ اشْتَرِ بهِ) [رواه مسلم].

  2. القول الثاني: فساد العقد الربوي يرى الحنفية أن العقد الذي فيه ربا هو عقد فاسد، ويترتب عليه ملك العوض بالقبض ووجوب رده إن كان قائماً أو رد قيمته أو ما يماثله. يفرق الحنفية بين الباطل والفاسد، فالباطل لا يترتب عليه أي أثر، أما الفاسد فيترتب عليه الفسخ.

Total
0
Shares
المقال السابق

التوجه إلى العرافين لأجل السحر: نظرة شرعية

المقال التالي

الرشوة: تعريفها، أركانها، وآثارها

مقالات مشابهة