تمهيد
تُعتبر الدراسات العلمية الركيزة الأساسية لتقدم المجتمعات وتطورها، فهي المصدر الذي يزود البشرية بالمعارف والاكتشافات الجديدة التي توصل إليها الباحثون. ونظرًا للدور الحيوي الذي تلعبه هذه الدراسات، فإنه من الضروري التأكد من جودة نتائجها وموثوقيتها. ومن أهم الأدوات التي تُستخدم لتقييم جودة الدراسات العلمية، مفهوما المصداقية والاستقرار، اللذان يساهمان في ضمان أن النتائج قريبة قدر الإمكان من الواقع، وبالتالي تحقيق الفائدة المرجوة على المدى القريب والبعيد.
المصداقية في الدراسات العلمية
توضيح المصداقية وأنواعها
في مجال البحوث العلمية، تُعرف المصداقية بأنها مدى صحة الاختبارات والبحوث وفقًا للمعايير المحددة، وتحقيق أكبر قدر ممكن من التوافق مع هذه المعايير. لذا، يمكن القول بأن المصداقية هي أمر نسبي يتعلق بكل بحث علمي على حدة. تُنتج البحوث العلمية استنتاجات ونتائج تتميز بثلاثة جوانب رئيسية: ملاءمتها للبحث، ووضوح معناها، وقيمتها العملية. وتكمن أهمية المصداقية في توفير الأدلة الواقعية التي تدعم هذه الاستنتاجات.
تتنوع أنواع المصداقية في البحث العلمي بناءً على التصنيفات التي تقدمها المؤسسات العلمية والبحثية المختلفة. على سبيل المثال، تصنف الجمعية الأمريكية لعلم النفس المصداقية إلى أربعة أنواع رئيسية: مصداقية المحتوى، والمصداقية البنائية، ومصداقية المحك (التي تجمع بين المصداقية التنبؤية والتلازمية). بينما يقسم مطورو الاختبارات والباحثون في المجال التربوي المصداقية إلى: المصداقية الظاهرية، والمصداقية المنطقية، والمصداقية التفاضلية، والتحليل البعدي، ومنحى التعميم. ومع ذلك، يواجه هذا التقسيم الأخير تحديًا بسبب افتقاره إلى الدقة الفنية.
العوامل المؤثرة في قياس المصداقية
تتعدد العوامل التي تؤثر في مصداقية اختبارات البحوث العلمية، وتختلف في تأثيرها على معيار المصداقية. فيما يلي أهم هذه العوامل:
- طول الاختبار: كلما كان الاختبار أطول وأكثر تفصيلاً، زادت مصداقيته، لأن زيادة المصطلحات الخاصة بالدراسة تؤدي إلى زيادة دقته.
- عينة الدراسة: تلعب عينة الدراسة دورًا حاسمًا في النتائج. فكلما كانت الفروق الفردية بين أفراد العينة أوضح وأكبر، كانت مصداقية الاختبار أعلى ونتائجه أقوى. وعلى العكس من ذلك، إذا كانت العينة متقاربة في الخصائص التي يقيسها الاختبار، فإن النتائج ستكون أضعف.
- معامل الاستقرار: يرتبط معامل استقرار الاختبار بمصداقيته. فإذا كان معامل الاستقرار منخفضًا، فهذا يشير إلى وجود خلل في الاختبار. ومع ذلك، فإن ارتفاع معامل الاستقرار لا يعني بالضرورة أن الاختبار دقيق وصادق.
- ضبط المتغيرات التجريبية: ترتبط معايير المصداقية التجريبية بصدق الاختبار. وتؤثر على هذه المعايير مجموعة من المتغيرات الداخلية التي قد تؤدي إلى خفض معامل المصداقية، مثل صعوبة أو سهولة الاختبار، وانخفاض رغبة أفراد العينة في إجراء الاختبار، وضعف محتوى الاختبار.
أساليب تقييم المصداقية
تتنوع أساليب قياس المصداقية بهدف الوصول إلى معيار موثوق قدر الإمكان. ومن أهم هذه الأساليب:
- معاملات الارتباط: تعتمد هذه الطريقة على حساب معاملات الارتباط التي يعتمد عليها الصدق التجريبي، وهي من أكثر الطرق شيوعًا في قياس صدق اختبار البحث العلمي.
- حساب متوسطات أقسام الاختبار المختلفة: تعتمد هذه الطريقة على اختبار الدلالة الإحصائية للفرق بين متوسطات أقسام الاختبارات، وإجراء المقارنات الطرقية. حيث يقسم الاختبار إلى قسمين أو أكثر، ويقارن متوسط 27% من القيم العليا و27% من القيم الدنيا. وتتميز هذه الطريقة بسرعتها، ولكنها أقل دقة من الطريقة السابقة.
- الترقيم: هو عملية مقارنة التوزيع التكراري لعلامات العينة البحثية في ميزان الاختبار بالتوزيع التكراري لعلامات العينة في الاختبار التجريبي.
- طرق أخرى: تستخدم هذه الطرق في حالة وجود صعوبة في الحصول على اختبار يوضح معايير المصداقية والثبات الخاصة به.
الاستقرار في الدراسات العلمية
توضيح الاستقرار وأشكاله
يُعرف الاستقرار في البحث العلمي بأنه الخاصية التي تعبر عن مدى تقارب القيم والقراءات الخاصة بمعيار القياس في كل مرة يطبق فيها، أو مقدار عدم تغير معيار القياس عند تكرار استعماله في أوقات مختلفة وعينات بشر مختلفين. وتتعدد أنواع الاستقرار في البحث العلمي على النحو الآتي:
- الاتساق الداخلي: يعبر هذا المصطلح عن دقة أسئلة الاختبار التي تهتم بتتبع مفهوم معين.
- تقارب النتائج عند إعادة الاختبار: يساعد استقرار نتائج الاختبار عند إعادة إجرائه في قياس مدى ثبات القراءات والاستدلالات الصادرة عن الاختبار مع مرور الزمن عليه.
- استقرار المختبرين: يعبر هذا المصطلح عن ثبات القيم الناتجة عن اختبار ظاهرة معينة من قبل المختبرين المختلفين.
- استقرار المختبر الواحد: يظهر استقرار قراءات الفرد المختبر الواحد في فترتين زمنيتين مختلفتين أو أكثر لظاهرة معينة ثباتًا عاليًا في الاختبار.
العوامل المؤثرة في تقييم الاستقرار
يؤثر في الاستقرار عدة عوامل قد تساهم في ارتفاع نسبته أو انخفاضها في اختبار معين، لذلك يعد الاهتمام بها أمرًا ضروريًا للمحافظة على دقة الاختبار وثباته؛ كازدياد طول الاختبار وتفاصيله الأمر الذي يرفع الثبات، ومدى تناسب مستوى الاختبار مع مستوى العينة البحثية، ومدى تطابق إدارة الاختبار في كل مرة يقام فيها، كثبات الوقت المتاح للعينات المختلفة، وطريقة تصميم جداول التصحيح، وإدارة عملية تصحيح الاختبار، بالإضافة إلى مدى قدرة العينة البحثية على قراءة وحل الاختبار بشكل صحيح، التي قد يؤثر فيها الظروف الخارجية للأفراد كالإرهاق الجسدي.
طرق قياس الاستقرار
تحسب أدوات قياس الاستقرار مدى استقرار نتائج اختبار البحث العلمي عند إعادة إجرائه تحت نفس الظروف ومع نفس العينة البحثية، وتقاس هذه العملية اعتمادًا على حسابات رياضية باستخدام الأدوات الآتية:
- إعادة الاختبار: تقوم هذه الطريقة على حساب معامل الارتباط بين اختبار تم إجراؤه على نفس العينة البحثية مرتين يفصلهما وقت محدد، ويؤثر معامل الارتباط إيجابيًا على الثبات كلما ازداد.
- التجزئة النصفية: تعتمد هذه الطريقة على تجزئة الاختبار إلى نصفين، وحساب معامل الارتباط بينهما باستعمال معادلة بيرسون براون للارتباط (بالإنجليزية: Pearson Correlation).
- حساب معامل ثبات كرونباخ ألفا: (بالإنجليزية: Cronbach’s alpha) يستخدم معامل ثبات كرونباخ في حساب معامل التمييز الخاص بكل سؤال من الاختبار، الذي يؤثر على حذف الأسئلة في حال كان معامل التمييز سالبًا أو ضعيفًا، ويجدر بالإشارة أن معامل كرونباخ يحسب باستخدام برمجية SPSS أو برمجية E-views.
الصلة بين المصداقية والاستقرار
تعتمد صلاحية التفسيرات والتعميمات الناتجة من اختبار علمي معين على مصداقيته واستقراره، كونهما يعبران عن مدى قدرة الاختبار في قياس معاييره ومدى تقارب نتائجه، لذلك فهما مرتبطان بشكل مباشر ببعضهما.
وبذلك يمكن التعميم بأن كل اختبار صادق هو ثابت أيضًا، ولكن العكس غير صحيح؛ لأن المصداقية أعم من الاستقرار، كون أن الاستقرار جزءًا ومظهرًا من مظاهر المصداقية.
المراجع
- أبالهاشمي لقوقي،منصور بن زاهي (1-9-2016)،”بيّنات الصدق والثبات لمقياس المهارات الاجتماعية المصور لطفل التربية التحضيرية”،search.shamaa.org، اطّلع عليه بتاريخ 21-5-2020. بتصرّف.
- الهاشمي لقوقي،منصور بن زاهي (1-9-2016)،بيّنات الصدق والثبات لمقياس المهارات الاجتماعية المصور لطفل التربية التحضيرية، الجزائر: جامعة ورقمة، صفحة 9. بتصرّف.
- مركز البحوث والدراسات متعدد التخصصات (2020)،”أدوات البحث العلمي”،mdrscenter.com، اطّلع عليه بتاريخ 21-5-2020. بتصرّف.
- حيدر إبراهيم ظاظا (2011)،درجة توافق دلالات صدق وثبات الاختبارات المقننة المستخدمة في رسائل الماجستير المقدمة في كليات التربية في الجامعات الأردنية مع دلالات صورها الأصلية، الأردن: عمادة البحث العلمي/ الجامعة الأردنية، صفحة 2400، جزء 38-2.
- رواء علاوي كاظم الخفاجي (2-2-2012)،”صدق الاختبار”،physical.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 21-5-2020.
- رؤى صادق محمود العكام (8-6-2014)،”طرق حساب الصدق”،www.uobabylon.edu.iq، اطّلع عليه بتاريخ 22-5-2020. بتصرّف.
- سالم بن سعيد آل ناصر القحطاني،حمد بن سالم العامري،معدّي بن محمد آل مذهب (2020)،منهج البحث في العلوم السلوكية(الطبعة الخامسة)، الرياض: العبيكان، صفحة 190-191. بتصرّف.
- جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن (2020)،”قاموس المصطلحات”،ahm.pnu.edu.sa، اطّلع عليه بتاريخ 22-5-2020.
- Charles Darr (3-9-2005),”Reliability and validity”،assessment.tki.org.nz, Retrieved 22-5-2020. Edited.
- Ghani Djsj (2020)،”الصدق والثبات”،www.academia.edu، اطّلع عليه بتاريخ 23-5-2020. بتصرّف.
- سعد سلمان المشهداني (2017)،مناهج البحث الاعلامي، الإمارات العربية المتحدة: دار الكتاب الجامعي، صفحة 1. بتصرّف.
- موقع مبتعث (2017)،”الثبات مفهومه وطرق حسابه والعوامل المؤثرة فيه”،www.mobt3ath.com، اطّلع عليه بتاريخ 23-5-2020. بتصرّف.