مفهوم المسؤولية عن أفعال الغير
تعتبر المسؤولية التقصيرية جزءًا لا يتجزأ من المسؤولية المدنية التي يتحملها الأفراد في المجتمع. إنها تشكل أحد الجوانب الهامة في القانون المدني المعاصر، وتستحق الدراسة والتحليل العميقين. تتطور هذه المسؤولية بالتوازي مع التغيرات التي تطرأ على الفكر الاجتماعي السائد، والذي يتأثر بدوره بظروف الحياة المتنوعة. ترتبط المسؤولية التقصيرية ارتباطًا وثيقًا بالحياة اليومية، وتتميز بتطبيقها العملي المستمر والمتجدد.
الأصل في المسؤولية القانونية هو أن الشخص يُسأل عن الأفعال التي يرتكبها بنفسه والتي تتسبب في إلحاق الضرر بالآخرين. ومع ذلك، يستثني القانون بعض الحالات من هذه القاعدة العامة، حيث يجعل الشخص مسؤولاً عن الأفعال التي تصدر عن غيره، حتى وإن لم يكن له تدخل مباشر فيها. يعود السبب في ذلك إلى وجود علاقة قانونية معينة تربط بين الشخص الذي ارتكب الفعل الخاطئ والشخص الأول، مما يمنح المتضرر الحق في مساءلة هذا الأخير.
وبناءً على ذلك، يمكن تعريف المسؤولية التقصيرية عن فعل الغير بأنها: “المسؤولية التي لا تعتمد على إثبات خطأ، بل على وجود خطأ مفترض صادر عن شخص آخر وليس عن الشخص نفسه، ولكن المسؤولية تقع على عاتق هذا الأخير”. يهدف هذا النوع من المسؤولية إلى تخفيف عبء إثبات الخطأ عن المتضرر.
أشكال المسؤولية عن أفعال الغير
تتنوع صور المسؤولية التقصيرية عن فعل الغير، ويمكن تصنيفها إلى نوعين رئيسيين:
- حالة من تجب عليه رقابة شخص يحتاج إلى الرعاية: يشمل ذلك الأشخاص الذين يحتاجون إلى الرقابة بسبب صغر سنهم أو حالتهم العقلية أو الجسدية. في هذه الحالة، يُسأل المسؤول عن الرقابة والرعاية عن أي فعل يصدر عن هؤلاء الأشخاص، ويمكن مطالبته بالتعويض عن الأضرار الناجمة.
- حالة المتبوع عن أعمال التابع: تقوم مسؤولية المتبوع عن الضرر الذي يحدثه تابعه نتيجة لعمل غير مشروع، بشرط أن يكون هذا العمل قد وقع أثناء تأدية التابع لوظيفته أو بسببها. يتطلب قيام هذا النوع من المسؤولية وجود علاقة تبعية بين المتبوع والتابع، ووقوع خطأ من جانب التابع، وأن يكون هذا الخطأ قد حدث أثناء قيام التابع بعمله لدى المتبوع أو بسبب هذا العمل.
المسؤولية عن الأشياء: الحيّة وغير الحيّة
هذا النوع من المسؤولية التقصيرية يتعلّق بمساءلة الشخص عن الضرر الذي ينجم عن شيء تحت حيازته أو حراسته، سواء كان هذا الشيء حيًّا، كالحيوانات أو النباتات، أو غير حيّ، كالمباني أو الآلات الميكانيكية.
يقوم هذا النوع من المسؤولية على أساس فكرة الخطأ، ولكنه ليس خطأً بشريًّا ناتجًا عن فعل مباشر، بل هو خطأ في الحراسة والتأمين. ومع ذلك، تظل فكرة المسؤولية مبنية على الخطأ، مما يمنح المتضرر الحق في المطالبة بالتعويض. تتخذ هذه المسؤولية ثلاثة أشكال رئيسية:
- مسؤولية حارس الحيوان: يتحمل حارس الحيوان المسؤولية عن أي ضرر يلحقه الحيوان بالغير، إذا ما أهمل في حراسته وتأمينه. على سبيل المثال، إذا هاجم كلب شخصًا وتسبب له بجروح خطيرة بسبب إهمال صاحبه في تأمينه بشكل كافٍ.
- مسؤولية صاحب البناء: يتحمل صاحب البناء المسؤولية عن أي ضرر يلحق بالغير بسبب عدم قيامه بالصيانة اللازمة لحماية الآخرين. على سبيل المثال، إذا سقط مبنى قديم أو متهالك على شخص ما وتسبب له بأضرار جسيمة.
- مسؤولية حارس الآلات الميكانيكية: يتحمل المسؤول عن حراسة وتأمين الآلات الميكانيكية أو الأشياء التي تتطلب عناية خاصة في حراستها المسؤولية عن أي ضرر ينجم عن الإهمال في تأمينها، نظرًا لطبيعتها الخطرة التي قد تتسبب في إلحاق الضرر بالآخرين.
المراجع
المراجع الأصلية مذكورة في المصدر الأساسي.