المرامي العظيمة من تشريع التيمم

استكشاف الأهداف النبيلة من تشريع التيمم: تنشيط الروح، واستخلاص العبر، وتيسير الطهارة، وتكريم الأمة الإسلامية.

التيمم هو شكل من أشكال العبادة في الإسلام، حيث يمسح المسلم وجهه ويديه بالتراب النظيف بنية التطهر، وذلك عند تعذر استخدام الماء.
يعتبر التيمم بديلاً شرعياً للوضوء أو الغسل في حالات معينة، وهو تعبير عن يسر الشريعة الإسلامية ورفع الحرج عن المسلمين. فيما يلي، سنستعرض الحكم وراء تشريع التيمم، مع توضيح الأحكام المتعلقة به.

الغايات النبيلة من إباحة التيمم

يكمن خلف تشريع التيمم حكم عظيمة استنبطها العلماء من خلال التدبر في النصوص الشرعية. فيما يلي عرض لأهم هذه الحكم:

أولًا: تربية النفس على الهمة ونبذ الكسل

النفس البشرية تميل بطبيعتها إلى الكسل والركون إلى الراحة. لذا، جاء تشريع التيمم كحافز للمسلم على التغلب على هذا الميل، وتعويد النفس على أداء الصلوات في وقتها المحدد دون تأخير أو تهاون. ففي حالة عدم وجود الماء، لا يكون ذلك مبرراً لترك الصلاة، بل يجب على المسلم أن يتيمم ويؤديها.

ثانيًا: استفادة المسلم من الموعظة

من خلال التيمم، يتذكر العبد نعمة الماء وأهميته في حياته اليومية، ويتأمل في أصل خلقته من التراب، وأن مصيره العودة إليه. هذا التأمل يقوده إلى الامتثال لأوامر الله تعالى والاستسلام لقضائه وقدره. كما أن وضع التراب على الوجه أثناء التيمم يذكر المسلم بضعفه وافتقاره إلى الله تعالى. هذا الشعور بالتذلل والافتقار يعتبر من أعظم العبادات وأكثرها نفعاً للعبد.

ثالثًا: سهولة الحصول على التراب ووفرته

اقتصر التيمم على التراب، وذلك لسهولة الحصول عليه وتوافره في معظم الأماكن، مما يرفع الحرج والمشقة عن الناس. كما أن الشريعة الإسلامية خففت في التيمم عدد الأعضاء التي يتم تطهيرها مقارنة بالوضوء بالماء، وذلك تيسيراً على المسلمين.

رابعًا: تكريم أمة الإسلام

لم يكن التيمم مشروعاً للأمم السابقة، بل خُصَّت به أمة الإسلام. فعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال:

“(أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أحَدٌ مِنَ الأنْبِيَاءِ قَبْلِي: نُصِرْتُ بالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وجُعِلَتْ لي الأرْضُ مَسْجِدًا وطَهُورًا، وأَيُّما رَجُلٍ مِن أُمَّتي أدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ، وأُحِلَّتْ لي الغَنَائِمُ، وكانَ النبيُّ يُبْعَثُ إلى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وبُعِثْتُ إلى النَّاسِ كَافَّةً، وأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ).”[3][2]

دليل جواز التيمم في القرآن والسنة

وردت نصوص عديدة في القرآن الكريم والسنة النبوية تدل على جواز التيمم كبديل للوضوء أو الغسل عند عدم وجود الماء أو تعذر استخدامه. من هذه النصوص:

من القرآن الكريم قوله تعالى:

“(وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).”[5]

ومن السنة النبوية ما رُوي عن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- قال:

“(فُضِّلْنا علَى النَّاسِ بثَلاثٍ: جُعِلَتْ صُفُوفُنا كَصُفُوفِ المَلائِكَةِ، وجُعِلَتْ لنا الأرْضُ كُلُّها مَسْجِدًا، وجُعِلَتْ تُرْبَتُها لنا طَهُورًا، إذا لَمْ نَجِدِ الماءَ وذَكَرَ خَصْلَةً أُخْرَى).”[6]

شرح طريقة التيمم

تتمثل طريقة التيمم في الخطوات التالية: يبدأ المسلم بالنية وهي قصد التطهر، ثم يضرب بباطن يديه على التراب ضربة واحدة، ثم ينفضهما، ثم يمسح بهما وجهه كاملاً، ثم يعيد ضرب يديه على التراب مرة أخرى، ثم يمسح ظهر كفه اليمنى بباطن يده اليسرى، ثم يمسح ظهر كفه اليسرى بباطن يده اليمنى.

وقد وردت كيفية التيمم في حديث عمار بن ياسر -رضي الله عنه- قال:

“(جَاءَ رَجُلٌ إلى عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، فَقالَ: إنِّي أجْنَبْتُ فَلَمْ أُصِبِ المَاءَ، فَقالَ عَمَّارُ بنُ يَاسِرٍ لِعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ: أما تَذْكُرُ أنَّا كُنَّا في سَفَرٍ أنَا وأَنْتَ، فأمَّا أنْتَ فَلَمْ تُصَلِّ، وأَمَّا أنَا فَتَمَعَّكْتُ فَصَلَّيْتُ، فَذَكَرْتُ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّما كانَ يَكْفِيكَ هَكَذَا فَضَرَبَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بكَفَّيْهِ الأرْضَ، ونَفَخَ فِيهِمَا، ثُمَّ مَسَحَ بهِما وجْهَهُ وكَفَّيْهِ).”[7][8]

مبطلات التيمم

ذكر العلماء أن التيمم يبطل بأمرين رئيسيين، وهما:

أولًا: مبطلات الوضوء

يبطل التيمم بكل ما يبطل الوضوء، سواء كان حدثاً أصغر أو أكبر، مثل خروج البول أو الغائط أو الريح من السبيلين، أو خروج المذي أو المني، أو زوال العقل بالنوم العميق أو السكر، أو تناول المسكرات.

ثانيًا: العثور على الماء

إذا تيمم المسلم لعدم وجود الماء، ثم وجد الماء بعد ذلك قبل أداء الصلاة، فإنه يجب عليه أن يتوضأ بالماء ويلغي التيمم.

لما رُوي عن أبي سعيد الخدريّ -رضي الله عنه- أنّه قال:

“خرجَ رجلانِ في سفَرٍ، فحضرتِ الصَّلاةُ وليسَ معَهُما ماءٌ، فتيمَّما صَعيدًا طيِّبًا فصلَّيا، ثمَّ وجدا الماءَ في الوقتِ، فأعادَ أحدُهُما الصَّلاةَ والوضوءَ ولم يُعدِ الآخرُ، ثمَّ أتيا رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فذَكَرا ذلِكَ لَهُ فقالَ للَّذي لم يُعِد: أصبتَ السُّنَّةَ، وأجزَأتكَ صلاتُكَ. وقالَ للَّذي توضَّأَ وأعادَ: لَكَ الأجرُ مرَّتينِ.”[11]

المراجع

  1. رائد بن حمدان الحازمي،أحكام التيمّم دراسة فقهية مقارنة، صفحة 27. بتصرّف.
  2. رائد بن حمدان الحازمي،أحكام التيمم دراسة فقهية مقارنة، صفحة 47-50. بتصرّف.
  3. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:438، حديث صحيح.
  4. “الفصل الأوَّل: تعريف التيمم، ومشروعيَّته، وأحكامه”،الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 10/2/2022.
  5. سورة المائدة، آية:6
  6. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن حذيفة بن اليمان، الصفحة أو الرقم:522، حديث صحيح.
  7. رواه البخاري ، في صحيح البخاري، عن عمار بن ياسر، الصفحة أو الرقم:338، حديث صحيح.
  8. مجموعة من المؤلفين،الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 52. بتصرّف.
  9. “أحكام التيمم”،الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 10/2/2022. بتصرّف.
  10. عبد الله الطيار،الفقه الميسر، صفحة 72-73. بتصرّف.
  11. رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:338، حديث صحيح.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

الغايات النبيلة من تشريع أعياد المسلمين

المقال التالي

الأبعاد الروحانية والاجتماعية للحج والعمرة

مقالات مشابهة