المدينة المنورة: تاريخ وحضارة

نظرة شاملة على المدينة المنورة: موقعها الجغرافي، مناخها المتميز، تعداد السكان، وأهم الأحداث التاريخية التي شهدتها، من العصور القديمة مرورًا بالعصر النبوي وصولًا إلى العهد الأموي.

معلومات عامة عن المدينة المنورة

المدينة المنورة، هي إحدى أهم المدن الإسلامية، وتحظى بمكانة عظيمة في قلوب المسلمين. هي ثاني أقدس البقاع بعد مكة المكرمة، وكانت مهداً للدولة الإسلامية الأولى. في هذا المقال، سنستعرض أبرز الجوانب المتعلقة بهذه المدينة الفاضلة.

تحديد موقع المدينة المنورة

تقع المدينة المنورة في الجزء الغربي من المملكة العربية السعودية، تحديداً في منطقة الحجاز التاريخية. تبعد حوالي 160 كيلومترًا عن ساحل البحر الأحمر، وتقع على مسافة تقدر بحوالي 445 كيلومترًا من مكة المكرمة. تتميز المدينة بارتفاعها عن سطح البحر، إذ تتربع على واحة خصبة ترتفع حوالي 625 مترًا.

الطبيعة الجغرافية للمدينة المنورة

تتميز تضاريس المدينة المنورة بوجودها ضمن حوض منخفض تحيط به الجبال والمرتفعات من جميع الجهات. يعتبر جبل أحد من أبرز هذه المرتفعات، حيث يمتد من الشرق إلى الغرب بطول يقدر بحوالي 6.5 كيلومتر. كما يبرز جبل عسير في الجزء الجنوبي الغربي من المدينة بارتفاع يصل إلى 955 مترًا، بينما يحدها جبل سلع من الجهة الشمالية الغربية بارتفاع 681 مترًا، وجبال الجماوات من الغرب، وجبل عير من الجنوب بارتفاع 1024 مترًا.

تضم المدينة المنورة كذلك العديد من الأودية الهامة، والتي تشمل:

  • وادي قناة
  • وادي رانوناء
  • وادي العقيق
  • وادي بطحان
  • وادي مذينب
  • وادي مهزور

خصائص مناخ المدينة المنورة

يسود المدينة المنورة مناخ صحراوي يتميز بصيف طويل حار وجاف، وشتاء قصير جاف وعاصف. تتراوح درجات الحرارة على مدار العام بين 12 و43 درجة مئوية. يُعتبر الفترة من منتصف شهر آذار إلى أوائل شهر أيار، ومن أوائل شهر تشرين الأول إلى منتصف شهر تشرين الثاني هي الأنسب لزيارة المدينة المنورة نظرًا لاعتدال الطقس.

لا تشهد المدينة المنورة كميات كبيرة من الأمطار خلال العام. يعتبر شهر يناير الأكثر غزارة بالأمطار، حيث يبلغ متوسط التساقط حوالي 10 ملم يوميًا.

سكان المدينة المنورة

وفقًا لآخر الإحصائيات لعام 2023، يبلغ عدد سكان المدينة المنورة حوالي 1,572,571 نسمة، مع معدل نمو سكاني يقدر بحوالي 1.76%. من المتوقع أن يصل عدد السكان في عام 2025 إلى حوالي 1,624,661 نسمة، وفي عام 2030 إلى حوالي 1,743,691 نسمة.

يتكون سكان المدينة المنورة أساسًا من العرب المسلمين الذين يتبعون المذهب السني. يمارس السكان أنشطة متنوعة، بما في ذلك الزراعة وصناعة الفخار والعديد من المهن الأخرى. تعتبر المدينة المنورة من أكثر مدن المملكة العربية السعودية ازدحامًا بالسكان، وهي محطة هامة للمسلمين القادمين من جميع أنحاء العالم لأداء العمرة والحج في مكة المكرمة.

لمحة تاريخية عن المدينة المنورة

مرت المدينة المنورة بمراحل تاريخية هامة، ساهمت في تشكيل هويتها ومكانتها. فيما يلي أبرز المحطات التاريخية التي شهدتها المدينة:

التاريخ في العصور القديمة

يعتقد المؤرخون أن العماليق هم أول من استوطن المدينة المنورة. هم من نسل سام بن نوح، وتكاثروا وشكلوا عدة قبائل، من بينها بنو سعد وبنو هف وبنو مطرويل. لاحقًا، سكنها العرب الذين اعتنقوا الديانة اليهودية، والذين شكلوا قبائل بني قريظة وبني النضير وبني قينقاع.

في منتصف القرن السادس الميلادي، وبعد حادثة سيل العرم وانهيار سد مأرب، هاجرت قبائل الأوس والخزرج إلى يثرب، حيث اكتسبوا نفوذًا كبيرًا. أثار هذا الوجود قلق اليهود، مما أدى إلى نشوب حروب عديدة أسفرت عن خسائر فادحة في الأرواح والأموال بين الأوس والخزرج، وتدهور في علاقات الأخوة بين القبيلتين.

الفترة النبوية

وصل النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى يثرب مهاجرًا في عام 622م، واستقر بها لنشر الدعوة الإسلامية. أصبح الأوس والخزرج أنصارًا وصحابة لرسول الله، وبهم بدأ تاريخ الدولة الإسلامية. من أول الأعمال التي قام بها الرسول الكريم بعد هجرته إلى المدينة بناء المسجد النبوي بعد بناء مسجد قباء، ليكون مركزًا لعمران المدينة المنورة ونقطة تجمع للمسلمين. أُنشئ بيت النبي بجوار المسجد، وحوله أقيمت بيوت الصحابة رضوان الله تعالى عليهم.

زمن الخلفاء الراشدين

استمرت المدينة عاصمة للدولة الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين. استمر الصحابة في توسعة وتحديث المسجد النبوي. في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقعت الفتنة الأولى التي انتهت بمقتله في منزله. بعد ذلك، بويع علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- بالخلافة وانتقل إلى الكوفة، التي أصبحت مقرًا للخلافة. أصبحت المدينة وجهة للعلماء والفقهاء ليتعلموا من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين.

الفترة الأموية

أصبحت المدينة في العصر الأموي إحدى إمارات الدولة الأموية. اهتم بها الخلفاء الأمويون وعنوا بشؤونها، وتولى إمارتها مجموعة منهم مثل مروان بن الحكم والوليد بن عتبة بن أبي سفيان وسعيد بن العاص وعمر بن عبد العزيز. أعاد الوليد بن عبد الملك بناء المسجد النبوي وأضاف إليه العديد من المرافق والمآذن. توسعت عمارة المدينة في عهد الخليفة مروان بن محمد، آخر خلفاء الدولة الأموية، حيث أُنشئت فيها القصور والحدائق والآبار.

الفترة العباسية

استمرت أعمال الصيانة والترميم والإضافات إلى المسجد النبوي طوال العهد العباسي، فأصبحت مساحة المسجد في عهد الخليفة المهدي حوالي 2,450 م². وأضاف إليه الناصر صلاح الدين الأيوبي قبة الصحن لحفظ التحف والذخائر، إلا أنه في عام 654هـ/1256م تعرض للحريق الذي دمر معظم أجزائه، ليأمر بعدها الخليفة المستعصم بالله بإعادة ترميمه وبنائه.

كما تعرض المسجد للحريق مرة أخرى في عهد المماليك في عام 886هـ/1481م ليدمر معظم أجزائه وتحترق معظم المخطوطات والمصاحف الموجودة فيه، ليأمر السلطان الأشرف قايتباي بإعادة بناء المسجد من جديد على الصورة التي كان عليها.

الفترة العثمانية

استمر الاهتمام بالمسجد النبوي في عهد العثمانيين منذ عهد السلطان سليم الثاني الذي أمر ببناء محراب القبلة وتطعيمه بالفسيفساء المنقوشة بماء الذهب، فيما بنى السلطان محمود الثاني القبة الشريفة، وأضيفت أقسام وقباب مزينة بالكتابات والنقوش الجديدة إلى المسجد في عهد السلطان عبد المجيد، والتي ما تزال ظاهرة للعيان حتى اليوم.

أشهر معالم المدينة المنورة

تضم المدينة المنورة العديد من المعالم والأماكن التي تحظى بمكانة دينية وتاريخية كبيرة، ومنها:

  • مسجد قباء: يعتبر مسجد قباء أول مسجد في الإسلام، فقد وضع أساساته الأولى النبي -صلى الله عليه وسلم- في عام 622م عندما هاجر إلى المدينة المنورة، وتبلغ مساحة المسجد في الوقت الحاضر 13,500 م².
  • متحف المدينة المنورة وسكة حديد الحجاز: خُصص هذا المتحف ليتناول تاريخ المدينة المنورة، فهو يضم مجموعة من الآثار والصور والمخطوطات التي تسرد تاريخ المدينة خلال العصور الماضية، ويضم المتحف 14 قاعة تحوي كل منها مقتنيات تاريخية، ويقدم فيها عروض مرئية تتحدث عن تاريخ المدينة.
  • قلعة قباء التاريخية: تقع قلعة قباء جنوب المدينة المنورة، إذ تبعد عن مسجد قباء حوالي 1,500 م، وتبلغ مساحتها ما يقارب 200 م²، وتعد من أشهر قلاع المدينة المنورة التي كانت تبنى للحراسة والمراقبة.
  • مسجد القبلتين: يقع مسجد القبلتين في الجزء الشمالي الغربي من المدينة المنورة، ويتميز بجمال عمارته الإسلامية وزخارفه الرائعة، وقد أخذ المسجد اسمه بعد تحول قبلة الصلاة من المسجد الأقصى إلى الكعبة المشرفة، وتبلغ مساحته حوالي 3,920 م².
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

لمحة عن مدن دولة قطر

المقال التالي

قسنطينة: مدينة الجسور العريقة

مقالات مشابهة