المدارس الفكرية وتطوير إدارة الموارد البشرية

استكشاف المدارس الفكرية التي أثرت في مسار إدارة الموارد البشرية الحديثة. تحليل للمدرسة الكلاسيكية، الإدارة العلمية، المدرسة السلوكية، ومدرسة العلاقات الإنسانية، وتأثيرها على تطوير هذا المجال الحيوي.

مقدمة

شهد القرن العشرون ظهور تيارات فكرية متنوعة في مجال الإدارة، وقد تبنت كل واحدة منها مقاربة مميزة في التعامل مع شؤون الموظفين، وهو المجال الذي تطور لاحقاً ليصبح إدارة الموارد البشرية. سنستعرض في هذا المقال أبرز هذه التيارات الفكرية ومدى مساهمتها في تشكيل هذا المجال.

المرحلة الكلاسيكية في التنظيم

برزت المرحلة الكلاسيكية في التنظيم (بالإنجليزية: Stage Of The Classical School Regulation) كمنهج يركز على إدارة المؤسسة ككل. قدمت هذه المدرسة رؤية أوسع نطاقًا وأكثر نضجًا مقارنة بحركة الإدارة العلمية. من أبرز رواد هذا التيار الفكري هنري فايول، ولينراك بروك، وشستر برنارد.

قاد هنري فايول هذا التيار الفكري وحقق إنجازات مهمة، منها:

  • تأسيس نظام إداري يتميز بتوجيه العاملين والمديرين، وتحقيق الفعالية في الإدارة.
  • تقسيم أنشطة المؤسسة إلى ست مجموعات رئيسية: النشاط التجاري، والنشاط الفني، والنشاط المالي، والنشاط الإداري، والنشاط المحاسبي، ونشاط الصيانة.
  • وضع أربعة عشر مبدأ للإدارة، وهي: السلطة، والنظام، وتقسيم العمل، ووحدة الأمر، والمكافآت، ووحدة التوجيه، وإخضاع المصلحة الفردية للمصلحة العامة، وتدرج السلطة، والمركزية، والترتيب، والعدالة والمساواة، والمبادأة، واستقرار العمالة، وروح الجماعة.

مرحلة الإدارة العلمية

ترتبط حركة الإدارة العلمية (بالإنجليزية: Stage of Scientific Management) ارتباطًا وثيقًا بخمسة من الرواد الأوائل، وهم: فريدريك تايلور (الذي يُلقب بأبي الإدارة العلمية)، وفرانك جلبرت، وليليان جلبرت، وهنري جانت، وهارنجتون إيمرسون.

يعتبر فريدريك تايلور المؤسس الحقيقي لمدرسة الإدارة العلمية، وله مساهمات كبيرة في هذا المجال، تجسدت في كتابه “مبادئ الإدارة العلمية”. حقق تايلور إنجازات بارزة في إدارة الموارد البشرية، من بينها:

  • اختيار العاملين وفقًا للكفاءة والموضوعية.
  • إجراء دراسات للزمن والحركة.
  • الإشراف المباشر على العاملين للتأكد من التزامهم بالأساليب المحددة لأداء المهام.
  • تطبيق نظرية الأجور المميزة.
  • إلغاء الحركات غير الضرورية في أداء الأعمال، وتبسيط الحركات الضرورية.
  • ترشيد الوقت والجهد الذي يبذله العاملون.
  • تقسيم المسؤوليات بين الإدارة والعاملين، حيث تتولى الإدارة التخطيط ويتولى العاملون التنفيذ.
  • ربط الأجر بالإنتاجية، بحيث يحصل العامل الذي ينتج كمية أكبر من الكمية المعيارية المحددة علميًا على أجر أفضل، في حين يحصل العامل الذي ينتج كمية أقل على أجر أقل.

المرحلة السلوكية

ظهرت المرحلة السلوكية (بالإنجليزية: Stage Behaviorism and Behavioral Trend) لتولي اهتمامًا أكبر بسلوكيات واتجاهات العاملين وجماعات العمل، وذلك على عكس المدرسة الكلاسيكية والإدارة العلمية اللتين انتقدتا لإهمالهما دور العمال والتركيز على الرقابة وتنميط سلوكهم. ركزت المدرسة السلوكية على العاملين داخل البيئة التنظيمية للمؤسسة، ومن روادها إلتون مايو، وأبراهام ماسلو، ودوجلاس ماكجرويجر.

تدعو المدرسة السلوكية إلى النظر إلى العامل ليس كمجرد فرد، بل كعضو في تنظيم يضم مجموعة من العاملين، مع الأخذ في الاعتبار أن سلوك العامل يختلف داخل المنظمة عن سلوكه كفرد. من أهم إنجازات المدرسة السلوكية:

  • التركيز على الرضا الوظيفي والإشباع الوظيفي.
  • دراسة الدافعية (تحفيز العاملين على العمل).
  • تطوير نظرية العدالة.
  • صياغة نظرية هرزبرج (نظرية العاملين).
  • تقديم نظرية ماسلو للاحتياجات الإنسانية.
  • الاستفادة من العلوم الأخرى، وخاصة علم النفس الفردي والجماعي، في دراسة سلوك العاملين.

مدرسة العلاقات الإنسانية

نشأت حركة العلاقات الإنسانية (بالإنجليزية: Stage Of Human Relations School) وتطورت بفضل الأبحاث التي أجراها إلتون مايو وزملاؤه في شركة ويسترن إليكتريك الأمريكية. أجريت سلسلة من التجارب المعروفة باسم تجارب هوثورن، والتي شكلت نقطة تحول جوهرية في الفكر الإداري. هدفت هذه التجارب إلى دراسة العوامل التي تؤثر على إنتاجية العمال، مثل فترات العمل والراحة، وظروف العمل كالرطوبة والتهوية والإضاءة.

توصل الباحثون إلى نتائج غير متوقعة، إذ تبين أن العلاقة بين ظروف العمل والإنتاجية ليست إيجابية بالقدر الذي توقعوه. من أبرز النتائج التي توصلت إليها حركة العلاقات الإنسانية:

  • اكتشاف وجود القائد غير الرسمي وتأثيره على الإنتاجية وسلوك العاملين في نفس المجموعة.
  • اكتشاف وجود التنظيمات الاجتماعية أو غير الرسمية، والتي تختلف عن التنظيمات الرسمية ولها تأثير كبير على إنتاجية العمال.
  • تبين أن تأثير الجوانب الاجتماعية والنفسية على سلوك وإنتاجية العاملين يفوق في كثير من الأحيان الجوانب المادية مثل ظروف العمل.
  • تبين أن للإشراف الجيد دورًا أساسيًا في رفع إنتاجية العاملين وتوجيه سلوكهم.
  • زيادة اهتمام الإدارة بالعاملين يؤدي إلى زيادة رضاهم عن قادتهم ووظائفهم ومنظماتهم، مما يؤدي بالتالي إلى ارتفاع الإنتاجية والأداء.

خَلُصت المدرسة الإنسانية إلى أن العمال يستجيبون بشكل أساسي للبيئة الاجتماعية للعمل، والتي تشمل الجوانب الاجتماعية والقادة غير الرسميين وجماعات العمل والتفاعل بين العاملين وبعضهم البعض، والتفاعل بين العاملين وقادتهم، والمشاعر السائدة بين العاملين.

مدرسة السلوك التنظيمي

تهتم مدرسة السلوك التنظيمي (بالإنجليزية: Stage Of Organizational Behavior School) بدراسة وتحليل سلوك العاملين داخل المنظمات. يشير السلوك التنظيمي إلى سلوك العامل داخل المنظمة، وهو يختلف عن سلوكه كفرد. تعتبر مدرسة السلوك التنظيمي امتدادًا طبيعيًا لمدرسة العلاقات الإنسانية، وقد قدمت إسهامات مهمة، منها:

  • اعتبرت أن مدرسة العلاقات الإنسانية قدمت وصفًا بسيطًا ومبسطًا لسلوك العاملين، في حين أن سلوك العاملين في المنظمات أكثر تعقيدًا من النموذج الذي قدمته تلك المدرسة.
  • استفادت مدرسة السلوك التنظيمي من علوم أخرى مثل علم الاجتماع وعلم النفس وعلم الإنسان والاقتصاد، بالإضافة إلى العلوم الطبية، في دراسة سلوك العاملين في المنظمات وتحليل هذا السلوك ودوافعه.
  • أكدت أنه ليس من الضروري دائمًا أن يؤدي ارتفاع رضا العاملين إلى ارتفاع الإنتاجية، وذلك لأن الإنتاجية تعتمد على متغيرات عديدة ومتشابكة، من بينها الرضا عن العمل وفرص العمل ونمط القيادة والتنظيم الرسمي.

اهتمت مدرسة السلوك التنظيمي بمواضيع إضافية أخرى، مثل: ديناميكيات الجماعة، ودافعية العمال، والاتصالات الإدارية، والعمل ضمن فريق العمل، والوصف الوظيفي والتوصيف، وتصميمات الوظائف، والتناوب الوظيفي، والإثراء الوظيفي، والقيادة، والصراع الوظيفي.

المراجع

  1. Kipkemboi Rotich (20/5/2015),”HISTORY, EVOLUTION AND DEVELOPMENT OF HUMAN RESOURCE MANAGEMENT: A CONTEMPORARY PERSPECTIVE”,Global Journal of Human Resource Management, Issue 3, Folder 3, Page 58-73. Edited.
  2. “A Brief History of Human Resource Management (HRM)”,https://higherstudy.org/a-brief-history-of-human-resource-management-hrm/, 12/9/2021, Retrieved 6/2/2022. Edited.
  3. Nicole Richman (11/11/2015),”Human resource management and human resource development: Evolution and contributions”,Creighton Journal of Interdisciplinary Leadership, Issue 2, Folder 1, Page 120-129. Edited.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

المد والجزر وتأثير القمر عليهما

المقال التالي

تيارات الفن في حقبة النهضة

مقالات مشابهة