المثابرة في الإحسان إلى الوالدين

تأملات حول المثابرة في الإحسان إلى الوالدين، التعامل مع الوالدين المسيئين، وأجر الإحسان إلى الوالدين. استكشاف أهمية البر في الإسلام.

مقدمة

إن الإحسان إلى الوالدين من أعظم الطاعات وأجلّ القربات في الإسلام. وقد قرن الله تعالى حقه بحق الوالدين، وأمر بالإحسان إليهما في العديد من الآيات القرآنية. ولكن قد يواجه الأبناء بعض الصعوبات في التعامل مع الوالدين، خاصةً عندما يتصفان ببعض الصفات التي قد تكون مزعجة أو قاسية. فما هي كيفية التعامل مع هذه الحالات؟ وما هو الأجر الذي ينتظر الأبناء الذين يصبرون ويحتسبون في بر والديهم؟

التحلي بالصبر في الإحسان

أمر الله سبحانه وتعالى بالإحسان إلى الوالدين، وجعل ذلك من أوكد الواجبات وأعظم الطاعات. وقد ورد هذا الأمر في القرآن الكريم تأكيدًا على أهميته وعظيم شأنه. قد يتصف بعض الآباء بصفات قد تكون صعبة، مثل القسوة أو الجفاء، مما يخلق بعض التحديات في العلاقة بين الأبناء والآباء. ومع ذلك، يؤكد الله عز وجل على ضرورة ثبات الأبناء على الإحسان إلى والديهم، والصبر على ما قد يصدر منهم من قول أو فعل.

من المعلوم أن أجر الأبناء يتضاعف في إحسانهم إلى آبائهم إذا تعرضوا لشيء من أنواع الأذى، شريطة الخضوع لهما بالقول اللين والتأدب في التعامل. فالصبر على هذا النوع من الابتلاء يقابله الكثير من الأجر والثواب من الله تعالى.

إن الإحسان إلى الوالدين ليس مجرد واجب ديني، بل هو أيضًا تعبير عن الامتنان والتقدير لما قدماه من تضحيات وجهد في تربية الأبناء ورعايتهم. فالوالدان هما سبب وجود الأبناء في هذه الحياة، وهما اللذان بذلا كل ما في وسعهما لتوفير الحياة الكريمة لهم.

ولذلك يجب على الأبناء أن يتذكروا دائمًا فضل الوالدين، وأن يسعوا جاهدين لإرضائهما والإحسان إليهما في كل وقت وحين.

التعامل مع الوالدين العاصين

لم يترك القرآن الكريم تفصيلاً في بر الوالدين إلا أوضحه، حتى لو أمرا ابنهما بمعصية الله تعالى. وقد بين الله سبحانه أن هذا هو الحد الوحيد الذي ليس للوالدين الحق في الطاعة فيه على ابنهما. ثم يستدرك القرآن الكريم القول بوجوب الإحسان إلى الوالدين وإكرامهما قولاً وفعلاً فيما خلا معصية الله سبحانه.

ومما يعين الابن البار بوالديه العاصين على برهما أن يتذكر أن الشرع أمره بالإحسان إليهما وتقديم النصح لهما، وأن يستشعر شيئاً من الشفقة عليهما بسبب عصيانهما، ويحثه على الدعاء لهما بالرحمة والهداية، مما يصرف عنه شعور الظلم والأذى ويبدله إلى رحمة وشفقة وصبر على حالهما.

قال تعالى: “وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ” (لقمان: 15).

فالآية الكريمة توضح أنه حتى في حالة أمر الوالدين بالشرك، فلا تجب طاعتهما في ذلك، ولكن يجب مصاحبتهما في الدنيا بالمعروف والإحسان إليهما.

جزاء الإحسان إلى الوالدين

ينال البار بوالديه الكثير من الخصال الطيبة في الدنيا والآخرة، ومنها:

  • نيل السعة في الرزق، والبركة فيه.
  • البركة والزيادة في العمر، بالتوفيق في أداء الطاعات والعبادات، وإشغال الأوقات بالأعمال الصالحة.
  • إجابة دعاء الابن البار بوالديه.
  • الفوز برضا الله تعالى، حيث إن رضاه مقرون برضا الوالدين.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: “رِضَا الرَّبِّ فِي رِضَا الوَالِدِ، وَسَخَطُ الرَّبِّ فِي سَخَطِ الوَالِدِ” (رواه الترمذي).

فهذا الحديث الشريف يبين عظيم فضل الوالدين، وأن رضا الله تعالى مرتبط برضاهما، وسخطه مرتبط بسخطهما.

إن الإحسان إلى الوالدين هو مفتاح للخير والبركة في الدنيا والآخرة، وهو دليل على صلاح العبد وقربه من ربه.

Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

مفهوم الصبر الحسن

المقال التالي

التحلي بالصبر في تنشئة الأبناء

مقالات مشابهة