المبادئ الاقتصادية في الإسلام

الإنفاق المعتدل، مكافحة الاحتيال التجاري، العدالة في توزيع الثروات. المراجع.

تأصيل مفهوم الاعتدال في الإنفاق

يشكل الاعتدال في الإنفاق إحدى الركائز الأساسية التي يقوم عليها النظام الاقتصادي الإسلامي. وقد تجلى ذلك في وصف الله عز وجل لعباده المخلصين، حيث قال:

﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾ [الفرقان: 67].

توضح الآية الكريمة أن الإنفاق الأمثل هو الذي يتجنب الإسراف والتبذير من جهة، والبخل والشح من جهة أخرى، بل يكون وسطاً واعتدالاً بينهما. وقد ذكر الحسن البصري أن الإنفاق على الأهل والأولاد باعتدال ودون تجاوز أو تقصير، يعتبر جزءاً من الإنفاق في سبيل الله.

كما أن القرآن الكريم يوجهنا إلى الحكمة في الإنفاق، ويحثنا على التوازن والاعتدال، وذلك في قوله تعالى:

﴿وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا﴾ [الإسراء: 29].

أي لا تكن بخيلاً ممسكاً عن الإنفاق في وجوه الخير، ولا مسرفاً مبذراً تنفق كل ما تملك، فتصبح عرضة للوم والندم.

أهمية مكافحة الغش والخداع في المعاملات التجارية

الغش هو تقديم شيء مخالف للحقيقة في العقود والمعاملات، سواء كان ذلك بالقول أو الفعل، أو بإخفاء عيب أو نقص في السلعة. فلو علم الطرف الآخر بهذا العيب، لامتنع عن إتمام الصفقة.

وقد نهى الإسلام عن صور عديدة من الغش، منها التلاعب بالكيل والميزان، وهو ما حذر منه القرآن الكريم، وأمر بالعدل والوفاء في التعامل:

﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [الأنعام: 152].

كما توعد الله تعالى بالويل والهلاك للمطففين الذين ينقصون في المكيال والميزان عند البيع، ويستوفون حقوقهم كاملة عند الشراء:

﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ﴾ [المطففين: 1-3].

تشير هذه الآيات إلى أن المطففين يستحقون العذاب والشقاء، لأنهم يحرصون على أخذ حقوقهم كاملة، بينما يبخسون حقوق الآخرين.

ضرورة تحقيق التوازن في توزيع الثروة

الاختلاف في توزيع الثروات والدخول أمر طبيعي، ويعود إلى اختلاف الأرزاق وقدرات الناس ومواهبهم. والإسلام لا يرفض هذا التفاوت الطبيعي، بل يعتبره حافزاً للعمل والإنتاج، وضرورة لتحقيق التعاون والتكامل على المستويين المحلي والدولي. إلا أن الإسلام يرفض بشدة التفاوت الكبير وغير العادل في توزيع الثروات، بحيث تستأثر فئة قليلة بالثروة، بينما تعاني الأغلبية من الحرمان.

ولتحقيق التوازن في توزيع الثروات، يقول الله تعالى:

﴿كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ﴾ [الحشر: 7].

أي حتى لا يقتصر تداول المال على فئة معينة من الأغنياء، سواء على مستوى المجتمع المحلي أو بين الدول. لذلك، يتدخل التشريع الاقتصادي الإسلامي لإعادة التوازن، من خلال ضبط التفاوت الكبير في توزيع الثروات والدخول، وإخضاع النشاط الاقتصادي لإرادة الدولة، لتحقيق العدالة الاجتماعية.

قائمة المصادر والمراجع

  1. سورة الفرقان، آية: 67.
  2. أبو الليث السمرقندي، بحر العلوم، صفحة 545.
  3. سورة الإسراء، آية: 29.
  4. البغوي، تفسير البغوي، صفحة 90.
  5. دبيان الدبيان، المعاملات المالية أصالة ومعاصرة، صفحة 89.
  6. سورة الأنعام، آية: 152.
  7. سورة المطففين، آية: 1-3.
  8. وهبة الزحيلي، التفسير الوسيط، صفحة 2839.
  9. محمد شوقي الفنجري، الإسلام والتوازن الاقتصادي بين الأفراد والدول، صفحة 23.
  10. سورة الحشر، آية: 7.
  11. وزارة الأوقاف السعودية، الاقتصاد الإسلامي، صفحة 12.
Total
0
Shares
اترك تعليقاً
المقال السابق

الأنماط الاجتماعية في الحقبة الأموية

المقال التالي

الأهمية التاريخية لكنيسة الميلاد المجيد

مقالات مشابهة