اللحظات الأولى في القبر
تُعدّ اللحظات التي تلي الدفن من أهمّ ما يمرّ به الإنسان بعد وفاته، حيث تبدأ رحلة الروح والجسد في عالم البرزخ. تتضمن هذه الرحلة مراحل مختلفة، من ضمّ القبر إلى سؤال الملكين، وصولاً إلى رؤية المكان المُعدّ في الآخرة.
ضم القبر
تُشير العديد من الأحاديث الصحيحة إلى أن القبر يضمّ الميت ضمّةً قويّةً، يشعر بها الميت بشدّة. فقد روى الألباني في صحيح الجامع عن أبي أيوب وأنس بن مالك، حديث رسول الله ﷺ :(لو أفْلَتَ أحدٌ من ضمَّةِ القبرِ، لأفْلَتَ هذا الصبيُّ)،[٣] وهذا يدلّ على أنّ هذه الضمّة لا تُستثنى منها أيّ نفس، سواءً كان الميت صالحاً أو طالحاً، مؤمناً أو كافراً. وحتى سعد بن معاذ -رضي الله عنه- رغم فضله العظيم، قد ضُمّ ضمّةً، كما جاء في حديث رواه الألباني في صحيح النسائي عن عبد الله بن عمر:[٤]. ولكنّ شدّة هذه الضمّة تختلف باختلاف إيمان الميت.
سؤال الملكين
الإيمان باليوم الآخر ركن أساسي من أركان الإسلام الستة، ويتضمن الإيمان بكل ما أخبر به النبي ﷺ ممّا يحدث بعد الموت، بما في ذلك فتنة القبر. يأتي ملكان يسألان الميت أسئلةً مهمّةً عن ربه ودينه ونبيه. روى الألباني في صحيح الجامع عن أبي هريرة، وصفاً للملكين بقول النبي ﷺ :(إذا قُبِرَ المَيِّتُ أَتَاهُ مَلكَانِ أسودَانِ أَزْرَقَانِ يقالُ لأَحَدِهما المُنْكَرُ، ولِلآخَرِ النَّكِيرُ).[١٠] وتختلف إجابات المؤمن والكافر والمنافق. فالمؤمن يجيب بالإيمان الكامل، بينما المنافق يتردد في إجاباته. وقد اختلف العلماء في استثناء بعض الفئات من فتنة القبر، كالأطفال والمجانين والأنبياء والشهداء.
مكان الدفن في الجنة أو النار
يُعرَض على الميت في قبره مكانُه في الجنة أو النار، كما ورد في حديث رواه البخاري عن عبد الله بن عمر:(إنَّ أحَدَكُمْ إذَا مَاتَ عُرِضَ عليه مَقْعَدُهُ بالغَدَاةِ والعَشِيِّ، إنْ كانَ مِن أهْلِ الجَنَّةِ فَمِنْ أهْلِ الجَنَّةِ، وإنْ كانَ مِن أهْلِ النَّارِ فَمِنْ أهْلِ النَّارِ، فيُقَالُ: هذا مَقْعَدُكَ حتَّى يَبْعَثَكَ اللَّهُ يَومَ القِيَامَةِ).[١٤] وتُعاد روح الميت لجسده ليشهد هذا المشهد، سواءً كان مشهداً مفرحاً أو محزناً. هذا العرض يكون صباحاً ومساءً، ولكنّ الوصول الفعلي للمكان الموعود لا يكون إلاّ يوم القيامة.
نعيم القبر وعذابه
يُؤمن المسلمون بنعيم القبر وعذابه، وهو ما يُحدَّد بناءً على إيمان الميت وأعماله. يُشير القرآن الكريم والسنّة النبوية إلى هذا الأمر. فعلى سبيل المثال، يقول الله تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّـهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ).[٢٣] وهناك أحاديث تُوضح نعيم القبر وعذابه، وتُبين أنّ عذاب القبر قد يكون دائماً للکافرين، أو منقطعاً للمسلمين العصاة. وقد يختلف البعض في إنكار هذا الأمر، لكنّ الأدلة الشرعية واضحة في هذا الشأن.