فهرس المحتويات
لمحة عن العرب قبل الإسلام
لا شك أن العرب، على مر العصور، لعبوا دوراً محورياً في مسيرة التاريخ. يُطلق لقب “عرب” على الشعوب التي تتحدث اللغة العربية، وهي إحدى اللغات العالمية المعروفة منذ القدم. قبل ظهور الإسلام، استوطن العرب مناطق واسعة تشمل بلاد الرافدين، والشام، وشبه الجزيرة العربية، وأجزاء من شمال أفريقيا. نتج عن هذا الانتشار الجغرافي نشأة العديد من الحضارات والممالك التي تركت آثاراً باقية حتى اليوم في مختلف أرجاء الوطن العربي. وقد سجلت كتب التاريخ أمجاد هذه الحضارات العريقة، كما وردت أخبار بعضها في القرآن الكريم، مثل مملكة سبأ.
نظرة عامة على الممالك العربية قبل الإسلام
شهدت شبه الجزيرة العربية قيام عدد من الممالك والدول التي كان لها تأثير كبير في المنطقة. هذه الكيانات السياسية تركت بصماتها في مجالات مختلفة مثل التجارة، والثقافة، والفن. فيما يلي استعراض لأبرز هذه الممالك:
مملكة سبأ في أرض اليمن
بدأت قصة مملكة سبأ في عام 650 قبل الميلاد، في الركن الجنوبي الغربي من شبه الجزيرة العربية، في اليمن تحديداً. اتخذ ملوك سبأ من مدينة مأرب عاصمة لهم، ومن قصر سلحين مركزاً لإدارة شؤون المملكة. وقد تم اختيار مأرب لموقعها الاستراتيجي على الطريق التجاري الذي كانت تسلكه القوافل المتجهة شرقاً نحو حضرموت، وإلى مناطق أخرى قريبة من حوض البحر الأبيض المتوسط. يُذكر أن أول ملوك سبأ هو المك كرب آل وتر (ايل وتر).
اشتهرت مملكة سبأ بأراضيها الخصبة، واعتمد سكانها على الزراعة واستغلال المياه في ري المحاصيل. كانت مملكة سبأ من بين المجتمعات الوثنية التي عبدت الأصنام وعظمتها. وقد ذكر القرآن الكريم أخبارهم، وقصة ملكتهم بلقيس، والحدائق الغناء التي كانوا يعيشون فيها، وكيف جحدوا بنعم الله تعالى، وكيف عاقبهم الله تعالى بـ “سَيْلِ الْعَرِمِ
” [سبأ: 16] الذي شتتهم بعد أن دمر سدهم العظيم (سد مأرب الشهير) وبساتينهم.
مملكة ودولة معين: حضارة التجارة
ظهرت دولة معين في عام 500 قبل الميلاد واستمر حكمها لمدة 50 عاماً. كانت قرناو العاصمة الرئيسية لدولة معين، التي تمركزت في حضرموت، شمال مملكة سبأ. ازدهرت الحضارة في مملكة معين بفضل اعتمادها على التجارة، حيث كانت مركزاً لعبور القوافل التجارية المحملة بالعطور، والبخور، والتوابل، واللبان.
توسعت هذه المملكة في تجارتها داخل اليمن وخارجه، حتى وصلت إلى مصر ودول حوض البحر الأبيض المتوسط. من بين أشهر مدن معين مدينة براقش التي تزينها النقوش التاريخية. تنافست مملكة معين ومملكة سبأ على السيطرة على طرق التجارة، وانتهى هذا التنافس بانهيار مملكة معين في منتصف القرن الأول الميلادي.
مملكة حمير: تحولات تاريخية
بدأ ظهور هذه المملكة ما بين عام 115 قبل الميلاد إلى 525 للميلاد، بعد توسع مملكة سبأ مع ذي ريدان. اتخذ الحميريون من مدينة ظفار عاصمة لمملكتهم ومقراً لملوك حمير. يُذكر أن ملوك حمير تلقبوا بلقب ملوك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت. وكغيرها من الممالك في ذلك الوقت، كانت مملكة حمير دولة وثنية تعبد الأصنام، وأبرزها آلهة أشتار. كما نجحت مملكة حمير في إدارة التجارة البرية والبحرية.
مع بداية القرن الرابع الميلادي، انتشرت الديانة النصرانية في اليمن، مما أدى إلى تغييرات كبيرة في المنطقة. كانت نهاية مملكة حمير مرتبطة بحادثة حرق نصارى نجران في الأخاديد على يد الملك الحميري ذو نواس. انتقاماً لذلك، قدم الأحباش من بلادهم وهاجموا الحميريين في اليمن، واستولوا على حكم الجزيرة. انتهى حكم الأحباش بعد أن أهلكهم الله تعالى “بِطَيْرٍ أَبَابِيلَ
” [الفيل: 3] التي أرسلها عليهم أثناء الهجوم على الكعبة المشرفة لهدمها.
مملكة الأنباط: حضارة في الصخر
تعتبر مملكة الأنباط مملكة عرب البدو. البتراء، المدينة الأثرية الشهيرة في الأردن، هي عاصمة الأنباط. بدأ حكم الأنباط في القرن الرابع (300) قبل الميلاد، وامتد نفوذها من غزة وإلى مدائن صالح جنوباً، وحتى دمشق. انتهى حكم الأنباط بعد هجوم الرومان عليهم، بسبب تهديدهم لمصالحهم التجارية.
مملكة الحيرة: مركز ثقافي تحت النفوذ الفارسي
ظهرت هذه المملكة في القرن الثالث الميلادي، واتخذت من مدينة الحيرة عاصمة لها. تقع الحيرة بالقرب من نهر الفرات، ويرجع سكان المملكة في أصولهم إلى قبائل تنوخ ولخم من اليمن. من أبرز ملوك الحيرة جُذيمة الأبرش التنوخي، وعمرو بن عدي اللخمي. كانت المملكة تُلقب بمملكة اللخميين، ومملكة المناذرة، وأبناء نصر.
نظراً لموقع المملكة في العراق، كانت تخضع لحكم دولة الفرس. كان المناذرة أيضاً من بين الذين يعبدون الأوثان، ولذلك كانوا يرفضون الدخول في الديانة النصرانية. بدأت المملكة بالانهيار بعد الحروب التي نشبت بين الفرس والروم؛ حيث كانت دولة المناذرة تُناصر الفرس في حربهم على الروم. بعد خسارة الفرس أمام الروم عام 623 للميلاد، هجم الرومان على المناذرة وأبادوهم.
مملكة الغساسنة: حليف الروم
قامت هذه الدولة ما بين عام 300 إلى 628 للميلاد، عند رحيل الغساسنة من اليمن إلى تهامة. اتخذت من بصرى الشام عاصمةً لها، وخضع الغساسنة في حكمهم تحت حكم الرومان. ولذلك، كانت هذه الدولة ممن يعتنق الديانة النصرانية، وكانت دائمة الغزو مع مملكة المناذرة. انتهى حكمهم بعد ضعف الدولة وانتشار الإسلام في الجزيرة العربية.